للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقيقة أمر باطل، وليس اجتهادًا أصلًا، كما يحرم الاجتهاد على من فقد شروطه، ولم يكن له أهلًا.

وسوف يتم تفصيل ما يجوز الاجتهاد فيه وما لا يجوز في مبحث قادم في مجال الاجتهاد ونطاقه ومحله.

وإذا كان الاجتهاد فرضًا في الجملة، فهذا يستلزم عدم خلو الزمان عن مجتهد، وهذا ما يبحثه الأصوليون، ولو نظريًا، ولذلك نعرض هذه المسألة هنا.

[خلو العصر عن المجتهدين]

اختلف العلماء في فكرة خلو العصر عن المجتهدين إلى قولين:

القول الأول: لا يجوز خلو زمان من مجتهد يبيِّن للناس ما نُزل إليهم ويبيِّن لهم حكم الشرع في كل ما يقع، وهو قول الحنابلة وبعض الشافعية كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني والزبيدي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم.

واستدلوا على ذلك بالسنة والمعقول.

فمن السنّة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزالُ طائفةٌ من أُمّتي ظاهرين حتى تقوم الساعةُ".

وفي وراية: "لا تزالُ طائفة من أُمّتي ظاهرينَ على الحقِّ لا يَضُرُّهم مَنْ خَذَلَهم حتى يأتي أمرُ اللَّه وهم كذلك" (١)، وهذا يدل على بقاء نفر من الأمة يظهرون حكم اللَّه تعالى، ويبينون الحق للناس، فإن خلا الزمان ممن يعرفون الحق، ويبصِّرون به غيرهم، لم يتحقق مضمون الحديث.

ومن المعقول أنه لو عدم الفقهاء المجتهدون والعلماء المعلمون لم تقم الفرائض كلها، ولو عطلت الفرائض كلها لحقت النقمة بالخلق، كما جاء في الخبر: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق" (٢).


(١) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن المغيرة رضي اللَّه عنه، ورواه مسلم والترمذي وأبو داود عن ثوبان رضي اللَّه عنه، ورواه مسلم عن سعد رضي اللَّه عنه، ورواه الحاكم وغيره عن عمر ومعاوية رضي اللَّه عنهما.
(٢) هذا الحديث رواه مسلم (١٣/ ٦٧ رقم ١٩٢٤) وابن ماجه وأحمد (١/ ٣٩٤، ٤٠٥، ٤٥٤) عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>