البصر يشهد أن ما كان في يد سليمان لم يكن عندها، ومثل قوله تعالى عن الريح:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}[الأحقاف: ٢٥]، والحسّ يشهد أنها لم تدمر السموات والأرض، أشياء كثيرة كالكواكب، وهذه الآية من العام الذي أريد به الخصوص؛ لأنها مقيدة بآية أخرى بأن التدمير خاص بما أتت عليه، فقال تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: ٤١ - ٤٢].
[٢ - العقل]
إن العقل يؤكد أن النصوص العامة الواردة بالتكاليف الشرعية مختصة بالمكلفين، دون الصبيان والمجانين، مثل قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران: ٩٧]، وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[البقرة: ٢١]، فالنص يتناول بعمومه جميع الناس، ولكن العقل يخرج الصبي والمجنون، فكان مخصصًا للعموم.
ومنع الشافعي رحمه اللَّه تعالى تسمية العقل مخصصًا؛ لأن ما خصصه لا تصح إرادته أصلًا في الحكم، وهذا خلاف لفظي.
ويطبق ذلك على النصوص القانونية التي تخاطب الكافة، ولكن العقل يخصص عمومها بإخراج من ليس أهلًا للتكليف.
[٣ - العرف والعادة]
العرف إما قولي، وإما عملي، فالعرف القولي اتفق العلماء على أنه يخصص النص العام، مثل لفظ (الدراهم) التي وردت في أحاديث كثيرة، والعرف يخصصها بالدراهم التي تعتبر هي النقد الغالب عند ورود النص، أو عند وقوع العقد بين الناس، ومثل لفظ (الدواب) فإنه اسم جنس عام يشمل كل ما يدب على الأرض، وخصصه العرف بالبهائم دون الإنسان والطير.
وأما العرف العملي فإنه يخصص العام في ألفاظ الناس في عقودهم وتصرفاتهم باتفاق العلماء، كمن حلف ألا يأكل الرؤوس، فيكون خاصًّا برأس الغنم في البلد الذي اعتاد أهله أن يأكلوا رأس الغنم، فإن أكل رأس حيوان آخر فلا يحنث، وكذلك لفظ اللحم، ويخصصه العرف في غير السمك.