[الصورة الرابعة: الاتحاد في الحكم، والاختلاف في السبب]
فالحكم في النصين واحد، ولكن سبب كل منهما مختلف، مثل قوله تعالى في كفارة الظهار:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}[المجادلة: ٣]، وقوله تعالى في كفارة القتل الخطأ:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}[النساء: ٩٢]، فالحكم واحد وهو الكفارة بعتق رقبة، والسبب في الأولى إرادة العودة إلى الاستمتاع بالزوجة، وفي الثانية القتل الخطأ، والرقبة في الأولى مطلقة فتصح الرقبة المؤمنة والكافرة، وفي الثانية مقيدة فيشترط أن تكون الرقبة مؤمنة، وفي هذه الصورة اختلف العلماء على قولين.
القول الأول: لا يحمل المطلق على المقيد؛ لأنه لا تعارض بينهما، ولأن اختلاف السبب يمنع وجود التعارض، وقد تكون الحكمة في القتل الخطأ التغليظ على القاتل لزجره فيجب عليه رقبة مؤمنة، والحكمة في الظهار التخفيف والتيسير والحفاظ على الزوجية وخفة مفسدته إذا قورن بالقتل، فيكفي المظاهر أن يعتق رقبة مطلقة، وهذا يتناسب مع اختلاف العقوبات عند اختلاف الجنايات، وهو الواقع في الشرع والقانون، والحكمة والعقل، وهذا قول الحنفية وأكثر المالكية.
القول الثاني: يحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة، ويجب عتق رقبة مؤمنة في كفارة القتل الخطأ وكفارة الظهار؛ لأن اتحاد الحكم في النصين يقتضي حمل المطلق على المقيد، حتى يتم الانسجام بين النصوص الواردة في شيء واحد؛ لأن القرآن كله كالكلمة الواحدة في بناء بعضه على بعض، فإذا اشترط الإيمان في كفارة القتل الخطأ كان ذلك كالنص على اشتراطه في كفارة الظهار، ولأن الآخذ بالقيد في كفارة الظهار يكون مطبقًا للدليل في النصين معًا، فيجب المصير إليه، وهذا قول الشافعية والحنابلة وبعض المالكية (١).
(١) انظر في حمل المطلق على المقيد وعدمه في الحالات والصور السابقة في: نهاية السول (٢/ ١٤٠)، المحصول (٢/ ٢١٤)، الإحكام للآمدي (٣/ ٤)، المستصفى =