عند المقلد، وغلبة الظن على صحته عنده، فحيث ثبت عنده مذهب من المذاهب صح له أن يقلده، ولو كان صاحب المذهب من غير الأئمة الأربعة (١).
وأرى ترجيح القول الأول في الأصل والغالب لما لقيته المذاهب الأربعة من الرعاية والعناية، وأنها استوعبت الأدلة من القرآن والسنة بشكل صحيح وكامل، بالإضافة لاعتمادها على سائر المصادر التشريعية، لكن لا مانع للجان التشريع، ومجامع الفقه، وعند الاجتهاد الجماعي أن تختار قولًا من غير المذاهب الأربعة باعتبار دليله، ووجهة نظره، ومراعاة للمصلحة أو لتطور الظروف، واختلاف الأحوال، وإن لم يتوثق النقل الصحيح الكامل؛ لأن العبرة للدليل، وبشرط تبني هذا الرأي من أولي الأمر، كأنه مباح أمر به الحاكم فصار واجبًا في التطبيق والالتزام، كتولي القضاء للمرأة، واعتبار الطلاق الثلاث طلقة في هذا العصر، والأخذ بالوصية الواجبة، وغير ذلك، وهو ما يقع العمل به عند وضع القوانين والأنظمة المستمدة من الشريعة واختيار بعض الآراء فيها للمصلحة ومقتضيات الزمن والعصر وحالة المسلمين.
رابعًا: التلفيق وتتبع الرخص:
نتج عن تقليد المذاهب مسألة التلفيق بينها، وذلك أن يأخذ الشخص في قضية واحدة ذات أركان، أو جزئيات، بقولين أو أكثر، كل قول من مذهب، لينتج حقيقة مركبة لا يقرها أحد الأئمة، أو لا تتفق مع أي مذهب بمفرده، سواء عمل في الواقعة بالقولين معًا، أو عمل بأحدهما مع بقاء أثر الثاني، فكل مذهب يقرر بطلان تلك الحقيقة الملفقة.
مثاله: أن يكتفي المصلي في وضوئه بمسح بعض الرأس حسب المذهب الشافعي، ثم يلمس امرأة أجنبية، فيريد أن يقلد أبا حنيفة أو مالكًا بعدم نقض الوضوء باللمس، ثم يريد الصلاة، فهذا الوضوء حينئذ لم يقل به هؤلاء الأئمة، فالشافعي يبطله لنقضه باللمس، وأبو حنيفة يبطله لعدم مسح
(١) حاشية البجيرمي على شرح الإقناع للخطيب (١/ ٥١)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ١١٣٩)، البحر المحيط (٦/ ٢٩١، ٣١٨).