لأنها غير مدونة، ولا مضبوطة، ولم تثبت صحتها، ويشك في نقلها، بخلاف المذاهب الأربعة فإنها منقحة، ومضبوطة، ومدوّنة، واعتنى بها الأصحاب في كل مذهب في النقل والتدليل والتصحيح والترجيح والتدقيق، واستقرت فيها الأحكام، لذلك تطمئن النفس إلى الأخذ بها؛ لقربها من الحق، وبعدها عن الخطأ.
قال إمام الحرمين رحمه اللَّه تعالى:"أجمع المحققون على أن العوام ليس لهم أن يتعلقوا بمذاهب أعيان الصحابة رضي اللَّه عنهم، بل عليهم أن يتبعوا مذاهب الأئمة الذين سبروا فنظروا، وبوّبوا الأبواب، وذكروا أوضاع المسائل؛ لأنهم أوضحوا طرق النظر، وهذبوا المسائل وبينوها وجمعوها".
وقال ابن الصلاح رحمه اللَّه تعالى:"يتعين تقليد الأئمة الأربعة دون غيرهم؛ لأن مذاهب الأربعة قد انتشرت، وعلم تقييد مطلقها، وتخصيص عامها، ونشرت فروعها، بخلاف مذاهب غيرهم".
قال النووي رحمه اللَّه تعالى:"وليس له التمذهب بمذهب أحد من أئمة الصحابة رضي اللَّه عنهم وغيرهم من الأولين، وإن كانوا أعلم وأعلى درجة ممن بعدهم، لأنهم لم يتفرغوا لتدوين العلم، وضبط أصوله وفروعه، فليس لأحد منهم مذهب مهذب محرر مقرر، وإنما قام بذلك من جاء بعدهم من الأئمة الناهلين لمذاهب الصحابة والتابعين القائمين بتمهيد أحكام الوقائع قبل وقوعها، الناهضين بإيضاح أصولها وفروعها كمالك وأبي حنيفة وغيرهما"(١).
ونقل السيوطي رحمه اللَّه تعالى عن بعض العلماء أن القاضي الذي يحكم بخلاف المذاهب الأربعة ينتقض حكمه؛ لأنه بمثابة مخالفة الإجماع.
وقال الشيخ سليمان البجيرمي الشافعي: لا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة في إفتاء أو قضاء.
وأجاز بعض العلماء تقليد غير الأئمة الأربعة في غير الإفتاء، وتوسط العز بن عبد السلام رحمه اللَّه تعالى، وقال: إن المدار على ثبوت المذهب