للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبين الشوكاني رحمه اللَّه تعالى وسيلة الاجتهاد وغايته، فيقول: "وعندي أن من استكثر من تتبع الآيات القرآنية، والحاديث النبوية، وجعل كل ذلك دأبه، ووجّه إليه همته، واستعان بالله عزَّ وجلَّ، واستمد منه التوفيق، وكان معظم همّه، ومَرْمَى قصده، الوقوفَ على الحق، والعثور على الصواب، من دون تعصب لمذهب من المذاهب، وجد فيهما ما يطلبه، فإنهما الكثير الطيب، والبحر الذي لا يُنزف، والنهر الذي يشرب منه كل وارد عليه، العذبَ الزلال، والمعتصم الذي يأوي إليه كل خائف، فاشدد يديك على هذا، فإنك إن قبلته بصدر منشرح، وقلب موفّق، وعقل قد حلت به الهداية، وجدت فيهما كل ما تطلبه من أدلة الأحكام التي تريد الوقوت على دلائلها كائنًا ما كان، فإن استبعدت هذا المقال، واستعظمت هذا الكلام، وقلت كما قال كثير من الناس: إنَّ أدلة الكتاب والسنة لا تفي بجميع الحوادث، فمن نفسك أُتيت، ومن قبل تقصيرك اصبت، وعلى نفسها جنت براقش، وإنما تنشرح لهذا الكلام صدور قوم وقلوب رجال مستعدين لهذه المرتبة العلية:

لا تعذُلِ المشتاقَ في أشواقهِ ... حتى تكون حَشَاك في أَحْشائه

لا يَعْرِفُ الشَّوْقَ إلا من يكابدُهُ ... ولا الصَّبابةَ إلا من يُعانيها

دَعْ عنكَ تَعْنيفي، وذُقْ طَعْم الهَوى ... فإذا هَوِيتَ فعند ذلك عَنّفِ (١) "

وإن طريقة الاجتهاد هذه هي التي سار عليها سلف هذه الأمة ابتداء من صحابة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من الخلفاء والعلماء والقضاة والمجتهدين، وهي المنقولة عن الصديق أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، ومعاذ، وابن عمر، وابن عباس، وابن عمرو، وغيرهم رضي اللَّه عنهم، ثم لزم التابعون منهجهم، ثم تبعهم تابعو التابعين، والأئمة المجتهدون، وسائر العلماء العاملين (٢).

[مسائل أصولية في الاجتهاد]

ويتعلق بطريقة الاجتهاد ثلاث مسائل مهمة، وهي:


= الماوردي بحرفيته لأهميته (البحر المحيط ٦/ ٢٣١، إرشاد الفحول ص ٢٥٨).
(١) إرشاد الفحول ص ٢٥٩.
(٢) انظر أقوالهم ومنهجهم في كتابنا: تاريخ القضاء في الإسلام ص ١١٨ - ١٢٣، ١٨٨ - ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>