الفاء العاطفة للجمع والترتيب والتعقيب، باتفاق الأدباء، والعلماء، ويعبر عن ذلك أيضًا بالترتيب بلا مهلة، أي: إن المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب ما يمكن، فالفاء تدل على وقوع الثاني عقب الأول بغير مهلة، لكن في كل شيء بحسبه.
والدليل على أن الفاء للتعقيب أنه يجب أن يُربط جزاء الشرط بها إذا لم يكن فعلًا؛ لأن الجزاء يعقب الشرط، فيجب أن يدخل فيه لفظ يفيد التعقيب، مثل: إن قام زيد فعمرو قائم، فالجزاء، وهو قيام عمرو، يوجد عقب الشرط، وهو قيام زيد، ومثل: إن دخلتِ الدار فأنت طالق، فلا يقع الطلاق، وهو الجزاء، إلا بعد وقوع الشرط، وهو الدخول، فيقع الطلاق عقبه على الترتيب من غير تراخ.
أما إن كان الجزاء فعلًا ففيه تفصيل، فإن كان فعلًا ماضيًا فلا يجوز دخول الفاء عليه، نحو: إن قام زيد قام عمرو، إلا إذا سبقَ فعلَ الجزاء الماضي (قد)، فيجب دخول الفاء نحو: إن قمتَ فقد قمتُ.
وإن كان الفعل مضارعًا جاز دخول الفاء عليه، ولا يجب، نحو: إن قام زيد يقوم عمرو، إلا إذا كان فعل الجزاء المضارع مسبوقًا بالسين أو سوف، أو كان منفيًّا بلا، فيجب دخول الفاء، نحو إن نجحتَ فسوف أكرمُك، وإن سافرت فلا تغفلْ عن ذكر اللَّه.
وإن كان فعل الجزاء أمرًا فيجب دخول الفاء، نحو: إن استيقظت من النوم فصلِّ الفرض.
واستدل الفقهاء أيضًا على أن الفاء للتعقيب أنها تدخل على المعلول الذي يعقب العلة، نحو: جاء الشتاء فتأهب، وإنما تدخل الفاء على العلل
(١) مغني اللبيب (١/ ٣٩٧)، البرهان في علوم القرآن (٤/ ٤٣٧)، الإتقان (٢/ ٢٥٧)، معترك الأقران (٣/ ٤٤٧)، شرح الكوكب المنير (١/ ٤٣١).