القول الثالث: التفصيل بين المجتهد والعامي، فيحرم التقليد على المجتهد؛ لأنه أهل للاجتهاد والنظر، ويجب التقليد على العامي الذي لم تتوفر فيه أهلية الاجتهاد، ولو كان عالمًا، وهو رأي أكثر أتباع المذاهب الأربعة، ومعظم المحققين (١)، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، أهمها:
[١ - الكتاب]
قال اللَّه تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إلا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)} [النحل: ٤٣]، فهذا نص عام، ويتكرر بتكرر الشرط، وعلة الأمر بالسؤال: الجهل، فيجب السؤال في كل أمر لا يُعلم.
[٢ - الإجماع]
أجمع الصحابة والتابعون على إقرار ما يعمله العلماء في عصرهم من جواب أسئلة العوام عن حكم الحوادث والقضايا والأحكام الشرعية، وكان العوام يقلدون العلماء من غير إبداء مستند أو دليل، ولم ينكر أحد على ذلك، ولا يلزم ذلك في التوحيد والعقائد والأصول العامة؛ ليسره وقلته.
[٣ - المعقول]
لم يرد في الشرع إيجاب الاجتهاد أو بلوغ رتبة الاجتهاد على جميع المسلمين؛ لأن ذلك يفرض تفرغ جميع الأمة لطلب العلم والوصول إلى رتبة الاجتهاد، مما يؤدي إلى خراب الدنيا، بترك المعايش والصنائع وسائر العلوم الأخرى، وهو تكليف بما لا يطاق، ولذلك كان التخصص بالعلم الشرعي أو غيره فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، ويسأل غيرُ المتخصصين العلماء المتخصصين، ويقبلون قولهم، ويقلدونهم، ولأن العامِّي إذا اجتهد فهو أقرب للخطأ؛ لعدم أهليته.
(١) قال ابن قدامة رحمه اللَّه تعالى: "وأما التقليد في الفروع فهو جائز إجماعًا"، الروضة، له ص ٣٨٣.