للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن اختلف أئمة الحنفية في المراد من التراخي، وفي ظهور أثره، فقال الإمام أبو حنيفة رحمه اللَّه تعالى: إن التراخي راجع إلى المتكلم، ويظهر أثره في الحكم والتكلم جميعًا، فهو بمنزلة ما لو سكت ثم استأنف قولًا، فكأنه تكلم بالمعطوف عليه، ثم سكت، ثم تكلم بما بعد ثمَّ، فصار كل منهما بمنزلة كلام منفصل عن الآخر؛ لأن ثمَّ تفيد مطلق التراخي، والمطلق ينصرف إلى المعنى الكامل فيه، فيثبت أثره في التكلم والحكم، وقال الصاحبان: أبو يوسف ومحمد رحمهما اللَّه تعالى: التراخي راجع إلى الحكم لا في التكلم، كما في كلمة "بعد"؛ لأن الكلام متصل حقيقة، فلا يجعل التكلم منفصلًا، ولا يصح الانفصال مع العطف، فيبقى الاتصال حكمًا مراعاة لحق العطف.

ويظهر أثر الاختلاف في المثال، فإذا قال رجل لامرأته قبل الدخول: أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار، فعند أبي حنيفة يقع طلقة واحدة، ويلغو ما بعده، كأنه سكت على اللفظ الأول، ثم استأنف، ويكون التراخي في التكلم بمنزلة الكلام المنفصل عن بعضه، ولا يقع الطلاق الثاني والثالث؛ لأن المرأة بانت بالطلاق الأول، ولم تعد محلًا للثاني والثالث، وكذا عند الصاحبين في المرأة غير المدخول بها، أما إن قال ذلك للمرأة المدخول بها فيقع الثلاث مرتبًا عند وجود الشرط لصلوح المحل بها عند الصاحبين، وعند أبي حنيفة يقع الأول عند وقوع الشرط، ويقع الثاني، والثالث حالًا لصلاح المحل (١).

استعمالات ثمَّ:

١ - ثم بمعنى الواو مجازًا:


= والعمل الصالح، وأجاب العلماء بأن ذلك محمول على دوام الاهتداء وثباته، فالمعنى: وقد اهتدى.
(١) فواتح الرحموت (١/ ٢٣٤)، كشف الأسرار (٢/ ١٣١)، أصول السرخسي (١/ ٢٠٧)، البحر المحيط (٢/ ٣٢٣)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٨٥)، أصول الأحكام ص ٣٣٠. =

<<  <  ج: ص:  >  >>