للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأزمنة، فرفعها يكون نسخًا.

كما أن ما ثبت بفعل الناس وعادتهم، ثم أُقِرُّوا عليه في أول الإسلام، ثم رفع، لا يكون نسخًا، وإنما هو ابتداء شرع، كاستباحة الخمر وغيره في أول الإسلام حسب العادة المألوفة السابقة، ثم جاء التحريم، فليس ذلك بنسخ (١).

[٢ - قبول الحكم للنسخ]

يشترط أن يكون الحكم الشرعي قابلًا للنسخ، فإن كان لا يقبل ذلك، فلا يجوز نسخه، كالأحكام المتعلقة بأصول الدين والتوحيد والاعتقاد، وأصول العبادات، وأصول الفضائل والرذائل، كالصدق والأمانة والعدل، والكذب والخيانة والظلم وسائر الفواحش مما لا يختلف باختلاف الأحوال والأمم.

والأحكام التي لا تقبل النسخ ثلاثة أنواع:

أ- المؤبد صراحة: وهو ما ثبت بالنص الصريح بتأبيده، مثل قوله تعالى في أهل الجنة: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [المائدة: ١١٩]، وقوله تعالى في أهل النار: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: ٢٣]، ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الجهاد ماض منذ بعثني اللَّه إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال" (٢).

ب- المؤبد دلالة: وهو شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - التي استقرت بانتهاء الوحي وقبض النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنها مؤبدة لا تحتمل النسخ؛ لأن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين، ولا نبي بعده، فلا نسخ لشرعه.

ب- الحكم المؤقت: إذا ثبت توقيت الحكم الشرعي لوقت معين فلا يجوز نسخه قبل مضي الوقت؛ لأن الحكم ينتهي بانتهاء وقته، ولذلك لم يقع ذلك شرعًا.

ولا يدخل في ذلك ما يتبادر إلى الذهن توقيته في بعض الآيات، كقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢]، وقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا


(١) المستصفى (١/ ١١٥)، البحر المحيط (٤/ ٧٨)، إرشاد الفحول ص ١٨٦ (٢/ ٥٣٩ ط محققة)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ٩٥٥).
(٢) هذا الحديث أخرجه أبو داود عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه مرفوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>