للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تستعمل "ثم" بمعنى الواو مجازًا، كقوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: ١٣ - ١٤]، ثم قال اللَّه تعالى بعدها: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: ١٧]، فالإيمان مقدم على العمل، ويبتنى عليه سائر الأعمال الصالحة، وهو شرط لصحتها وقبولها من الشخص، فدل على أن "ثم" هنا بمعنى الواو، ومثله قوله تعالى: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: ٤٦]، فهنا يتعذر العمل بحقيقة "ثم" للتراخي؛ لأن اللَّه تعالى شهيد على فعلهم قبل الرجوع إليه، كما هو شهيد عليه بعد ذلك، فتكون "ثم" بمعنى الواو.

[٢ - ثم لتفاوت الرتبة]

إن "ثم" لترتيب الثاني على الأول في الوجود بمهلة بينهما في الزمان، وتأتي لتفاوت الرتبة بمهلة في المعنى، مع ما بينهما من قدر مشترك، كقول الشاعر:

إنَّ مَنْ سَادَ ثم سَادَ أبُوه ... ثمَّ سَادَ قَبْلَ ذلك جَدُّهُ (١)

فهذا يدل على تفاوت رتبة الابن من أبيه، أو لتفاوت رتبة سيادته من سيادة أبيه (٢).

رابعًا: أو:

إن "أو" حرف عطف في اللغة، وهي لأحد الشيئين، وحقيقتها وأصلها أنها تتناول أحد ما تدخل عليه لا جميعه، وتكون للشك أو للتخيير، والشك يعني أن المتكلم شاكٌّ لا يعلم أحد الشيئين على التعيين، كقوله: جاء هذا أو


(١) هذا البيت لأبي نواس الحسن بن هانئ يمدح العباس بن عبيد اللَّه بن جعفر (شرح أبيات مغني اللبيب ٣/ ٤٠).
(٢) مغني اللبيب (١/ ١٢٤)، البرهان في علوم القرآن (٤/ ٢٦٦)، الإحكام للآمدي (١/ ١٦٩)، أصول السرخسي (٢/ ١٣١)، كشف الأسرار (٢/ ١٣١)، فواتح الرحموت (١/ ٢٣٤)، شرح تنقيح الفصول ص ١٠١، شرح الكوكب المنير (١/ ٢٣٧)، المسودة ص ٣٥٦، البحر المحيط (٢/ ٣٢٠)، الفصول في الأصول (١/ ٩١)، المحلي وجمع الجوامع والبناني (١/ ٣٤٤)، القواعد والفوائد الأصولية ص ١٣٨، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٨٤)، أصول الأحكام ص ٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>