للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثله: قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: ١٨٧]، فإنه يلزم من ذلك جواز الإصباح جنبًا، وصحة صوم الجنب.

ومثاله: قوله - صلى الله عليه وسلم - عن النساء: "تَمْكُثُ إحداهُنَّ شَطْرَ عُمُرِها لا تُصَلّي" (١)، فهذا الحديث سيق لبيان نقصان الدِّين، فلزم منه أن يكون أكثر مدة الحيض خمسة عشر يومًا، لأنه ذكر الشطر مبالغة في بيان نقصان الدِّين (٢).

[٣ - دلالة الإيماء أو التنبيه]

هي أن يقترن مقصود المتكلم في اللفظ بوصف يدل على أنه علة الحكم، فالإيماء أو التنبيه من اللفظ يدل على أمر لازم مقصود للمتكلم، ولا يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته عقلًا أو شرعًا، ولولا تلك الدلالة لكان اقتران اللفظ بغيره غير مقبول ولا مستساغ؛ لأنه لا ملاءمة بينه وبين ما اقترن به.

وهذا الأمر يتعلق بأحد مسالك العلة في القياس، ويتمثل ذلك بصور عديدة:

منها: ترتيب الحكم على الوصف بفاء التعقيب، كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨]، فالأمر بقطع اليد رتَّبه الشارع على السرقة، فكانت السرقة علة للقطع، ولولا ذلك لكان هذا الاقتران غير مقبول، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحْيا أرضًا مَيْتَةً فهي له" (٣) فرتَّب الرسول - صلى الله عليه وسلم - مِلك الأرض الموات على إحيائها بحرف الفاء، فدل على أن الإحياء علة الملك.

ومثله: قول أحد الصحابة: "سَها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة فسجد"


(١) هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد، وفي رواية البخاري: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ " قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان دينها".
(٢) المستصفى (٢/ ١٨٨)، الإحكام للآمدي (٣/ ٦٥)، أصول السرخسي (١/ ٢٣٦)، كشف الأسرار (١/ ٦٨)، جمع الجوامع والبناني (١/ ٢٣٩)، شرح العضد (٢/ ١٧٢)، شرح الكوكب المنير (٣/ ٤٧٦)، تيسير التحرير (١/ ٨٧)، فواتح الرحموت (١/ ٤٠٧، ٤١٣)، إرشاد الفحول ص ١٨٧، المدخل إلى مذهب أحمد ص ١٢٤، تفسير النصوص (١/ ٦٠٥)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٢٦١)، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص ١٤٢.
(٣) هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وأحمد والدارقطني من رواية سعيد بن زيد رضي اللَّه عنه وعروة بن الزبير رحمه اللَّه تعالى. =

<<  <  ج: ص:  >  >>