للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا كان ذلك مما يدوم ويمتد؛ لأن العلة إذا كانت دائمة كانت في حالة الدوام متراخية عن ابتداء الحكم، فيصح دخول الفاء عليها بهذا الاعتبار، وتسمى الفاء هنا فاء التعليل؛ لأنها بمعنى لام التعليل.

[أنواع التعقيب]

إن الترتيب والتعقيب في الفاء نوعان:

١ - الترتيب والتعقيب المعنوي: مثل: قام زيد فعمرو، أي: لتعقيب المعنى في الزمان في عطف الفرد، ومثله: جاء خالد فسعيد.

٢ - الترتيب والتعقيب الذكري: أي للتفصيل بعد الإجمال في عطف الجمل، أو هو عطف، مفصل على مجمل، كقوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: ٣٦]، وقوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ١٤]، وقوله تعالى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [الأعراف: ١٣٦]، وقوله تعالى: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: ١٥٣]، وقوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: ٤٥]، ومثله: توضأ فغسل وجهه، ومثله: قال فأحسن، خطب فأوجز، أعطى فأجزل.

وقد يختلف العلماء في اعتبار الفاء من النوع الأول أم من الثاني، كما في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦)} [البقرة: ٢٢٦]، فقال الجمهور: الفاء هنا للتعقيب الذكري، ويترتب على ذلك أن الفيء في مدة التربص وبعدها، وعند مضيها يوقفه القاضي إلى أن يفيء أو يطلق، وقال الحنفية: إنها للتعقيب المعنوي، فالفيء في المدة لا غير، فإن مضت وقع الطلاق بالمضي.

[استعمالات الفاء]

١ - التعقيب مجازًا: كقوله تعالى: {قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (٦١)} [طه: ٦١]، فالافتراء في الدنيا، والسحت وهو الاستئصال إنما هو في الآخرة، لكن لما كان الاستئصال مقطوعًا بوقوعه جزاء للمفتري جعل كالواقع عقب الافتراء مجازًا، ومثله قوله

<<  <  ج: ص:  >  >>