إذا اجتهد مجتهد، أو حاكم، بما يخالف الدليل القطعي من نص أو إجماع أو قياس جلي، وما مرَّ في الشق الأول، فإن حكمه ينقض باتفاق العلماء، سواء كان من قبل المجتهد، أو الحاكم، أو من مجتهد آخر، أو حاكم آخر؛ لمخالفة الدليل، ولأنه يكون باطلًا، وكل ما بني على باطل فهو باطل، وتنعدم الآثار التي بنيت على الحكم الأول، وهذا له أمثلة من عمل الصحابة في حياة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وبعد وفاته، إذا اجتهدوا ثم وجدوا نصًّا، نقضوا اجتهادهم.
وإذا كان الاجتهاد ظنيًّا، وقلنا لا ينقض باجتهاد آخر باتفاق، لكن تغير الرأي بعد ذلك، فإن الأثر العملي يختلف حسب حالة المجتهد نفسه، أو المفتي، أو القاضي.
[١ - أثر تغير الاجتهاد على نفس المجتهد]
إذا رأى المجتهد حكمًا معينًا، ثم تغير ظنه، فإن لم يعمل بالأول فلا شيء في ذلك، ويجب عليه العمل بالثاني، وإن عمل بالأول لزمه أن ينقض اجتهاده وما يترتب عليه، كما إذا خالع المجتهد زوجته بعد طلاقها مرتين، وأدَّاه اجتهاده إلى أن الخلع فسخ، ليس بطلاق، فتزوجها بعد ذلك بمقتضى هذا الاجتهاد، ثم تغير اجتهاده وأداه إلى أن الخلع طلاق، لزمه أن يفارقها، ولا يجوز له إمساكها، عملًا بمقتضى اجتهاده الثاني؛ لأنه صار معتقدًا أن الاجتهاد الأول خطأ، والثاني صواب يجب العمل به، وهذا ليس نقضًا للاجتهاد بالاجتهاد، بل هو ترك العمل بالاجتهاد الأول.
مثاله أيضًا لو رأى المجتهد أن الولي ليس شرطًا في صحة العقد للمرأة الرشيدة، فتزوجها من غير ولي، ثم تغير اجتهاده ورأى أن الولي شرط في صحة الزواج، فيلزمه مفارقة تلك المرأة، ولا يحل له البقاء على الزواج بها، وهو ترك
= به يجب عليه أن يجتهد، وقال الأئمة الأربعة: إذا حكم الحاكم بخلاف اجتهاده، فهو باطل، ولو قلّد غيره في الحكم، ومن قضى برأي يخالف رأيه ناسيًا له نفذ، ولا إثم عليه عند أبي حنيفة وأحمد، وقال المالكية والشافعية وأبو يوسف: لا ينفذ، ويرجع عنه وينقضه، وللحي تقليد مجتهد ميت كالحي عند الجمهور، انظر هذه الأقوال بتفصيل مع أدلتها ومراجعها في (شرح الكوكب المنير ٤/ ٥٠٦، ٥٠٧، ٥١٣، ٥١٥).