مثاله: قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: ٢٧٥]، فالآية ظاهر في إحلال كل بيع، ونص في نفي المماثلة، فجاء تخصيص عموم البيع بالأحاديث التي نهت عن بيع الغَرَرِ، وعن بيع الإنسان ما ليس عنده، وعن بَيْع الثمر قبل أن يَبْدو صلاحُها، فهذا من تأويل الظاهر.
ومثاله: قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨]، فلفظ "المطلقات" عام يشمل كل مطلقة لتكون عدتها ثلاثة قروء، ئم وردت آية تخصص هذا العموم، فقال تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق: ٤]، فدلت الآية أن عدة المطلقة الحامل تنتهي بوضع الحمل، وهكذا كل تخصيص ورد في القرآن والسنة.
ومثاله: قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}[المائدة: ٣]، فلفظ "الدم" مطلق، ثم قال تعالى:{إلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا}[الأنعام: ١٤٥]، فقيدت الدمَ بالدمِ المسفوح دون غيره، وهكذا كل تقييد قضى به التوفيق بين نصوص القرآن، والسنة.
التأويل والتفسير: سبقت الإشارة لبيان الفرق بين التأويل والتفسير في بحث "المفَسّر" وأن التفسير بيان للمعنى المراد من الكلام على سبيل القطع، والتأويل بيان للمعنى المراد من الكلام على سبيل الظن، ولهذا يحرم التفسير بالرأي دون التأويل.
وهناك فرق آخر أن التأويل أكثر ما يستعمل في المعاني، وأكثره في الجمل، وأن التفسير أكثر ما يستعمل في الألفاظ، وأكثره في المفردات (١).
[التأويل الصحيح والباطل]
إن التأويل الصحيح المقبول هو حمل اللفظ على غير مدلوله الظاهر منه، مع احتماله له، وبدليل يعضده، كما سيأتي في شروطه.
(١) شرح الكوكب المنير (٣/ ٤٦٠)، تفسير الطبري (١/ ٧٧)، علم أصول الفقه ص ١٦٧، تفسير النصوص (١/ ٣٦٦)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣١٤)، مرجع العلوم الإسلامية، لنا ص ١٥٨.