للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القطع، وكلما حصلت الجنابة وجب الغسل، لأن الشروط اللغوية تعتبر بمثابة السبب كما مرَّ في مبحث الشرط، وكذا الأوصاف، والحكم يتكرر بتكرر سببه أو تحقق وصفه.

فإن دليل الدليل الخارجي أن الوصف ليس له تأثير فلا يرتبط الحكم به، كوصف السائمة في الغنم لا يعتبر وصفًا مؤثِّرًا عند المالكية، وتجب الزكاة على الغنم السائمة والمعلوفة، بينما اعتبر المالكية الوصف في الربيبة (وهي بنت الزوجة) {اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} صفًّا مؤثرًا، فلا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في رعاية زوج أمها.

وإذا لم يرد دليل على أن الوصف أو الشرط للتكرار فلا يتكرر الأمر المقيد بهما، كما لا يتكرر الأمر المطلق، كما سبق، وهذا رأي الجمهور، وفيه آراء أخرى (١).

[الأمر بعد الحظر]

قد يحظر الشرع أمرًا ويحرمه، ثم يأمر به، كتحريم الصيد أثناء الإحرام للحج أو للعمرة، قال تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦]، وقوله تعالى؛ {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ثم أمر اللَّه بالاصطياد بعد التحلل، قال تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢]، وحرم اللَّه البيع عند النداء لصلاة الجمعة، فقال تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩]، ثم أمر بالانتشار وابتغاء الرزق، ومنه البيع بعد الصلاة، فقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠]، ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فادخروا" (٢).

وقد اختلف الأصوليون في دلالة هذا الأمر بعد الحظر على عدة أقوال،


(١) كشف الأسرار (١/ ١٢٢)، شرح تنقيح الفصول ص ١٣١، أصول السرخسي (١/ ٢١)، مختصر البعلي ص ١٠٣، اللمع ص ١٠، شرح الكوكب المنير (٣/ ٦٨)، المدخل إلى مذهب أحمد ص ١٠٦، البحر المحيط (٢/ ٣٨٨).
(٢) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن ومالك وأحمد والحاكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>