للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاجتهاد، ... ولا غرابة أن يكون الفقه متقدمًا على علم أصول الفقه، لأنه إذا كان علم أصول الفقه موازين لمعرفة الصحيح من الآراء من غير الصحيح فالفقه هو المادة التي توزن، والمادة سابقة على الميزان (١).

قال ابن خلدون رحمه الله: واعلم أن هذا الفن من الفنون المستحدثة في الملة، وكان السلف في غنية عنه، بما أن استفادة المعاني من الألفاظ لا يحتاج إلى أزيد مما عندهم من الملكة اللسانية، وأما القوانين التي يحتاج إليها في استفادة الأحكام خصوصًا، فمنهم أخذ معظمها .. فلما انقرض السلف وذهب الصدر الأول وانقلبت العلوم كلها صناعة احتاج الفقهاء والمجتهدون إلى تحصيل هذه القوانين والقواعد لاستفادة الأحكام من الأدلة، فكتبوها فنًّا قائمًا برأسه سموه: أصول الفقه ... وحين كان الكلام ملكة لأهله لم تكن هذه علومًا ولا قوانين، ولم يكن الفقه حينئذ يحتاج إليها، لأنها جبلة وملكة، فلما فسدت الملكة في لسان العرب قيدها الجهابذة المتجردون لذلك بنقل صحيح، ومقاييس مستنبطة صحيحة، وصارت علومًا يحتاج إليها الفقيه في معرفة أحكام الله (٢).

[طرق التأليف في الأصول]

إن أسلوب الكتابة في الأصول اختلف بعد الشافعي، فبعض العلماء سار على منهج الإمام الشافعي في الرسالة؛ بتقرير المسائل، والتدليل عليها، وإقامة الحجج، واتخاذ السؤال والجواب أساسًا في البيان على طريقة علماء الكلام، وسميت هذه الطريقة بطريقة المتكلمين، أو بطريقة الشافعية، وهي الطريقة التي اختطها الإمام الشافعي في الرسالة، وكتب بها أكثر الشافعية والمالكية والحنابلة والمعتزلة وعلماء الكلام.


(١) الشافعي، أبو زهرة: ص ٣٢٨.
(٢) مقدمة ابن خلدون: ص ٤٥٤، ٤٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>