للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: بعد:

"بعد" ظرف يقع للترتيب والتأخير، قال تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} [البقرة: ٥٦]، وهي عكس "قبل"، وتحتمل "بعد" الفور والتراخي.

وحكم "بعد" في الطلاق ضد حكم "قبل"، فلو قال رجل لزوجته غير المدخول بها: أنت طالق واحدة بعد واحدة، فتقع طلقتان، كما في قوله: قبلها واحدة؛ لأن البعدية تصير صفة للطلقة الأولى، ويمكنه الجمع بين التطليقتين.

ولو قال لغير المدخول بها: أنت طالق واحدة بعدها واحدة، تقع طلقة واحدة، كما في قوله: قبل واحدة؛ لأن البعدية صفة للثانية، فلم تجد محلًا لإيقاعها، فصارت لغوًا.

وكانت الأمثلة للقبلية والبعدية لغير المدخول بها؛ لأنها إذا وقع عليها الطلاق فلا يملك الرجل عليها طلقة ثانية؛ لأنها تبين بالأولى، لكن يملك أن يطلقها اثنتين وثلاثًا دفعة واحدة، أما المدخول بها فيقع الجميع؛ لأنها لا تبين في الطلقة الأولى، ويملك الرجل أن يطلقها طلاقًا آخر ما دامت في العدة.

وقد تجيء "بعد" بمعنى "مع" نحو قوله تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (١٣)} [القلم: ١٣]، يعني: مع ذلك (١).

رابعًا: عند:

" عند" ظرف للحضرة وللإقرار بالعين، فلو قال: لزيد عندي ألف دينار، فهو إقرار بالعين، وليس فيها دلالة على الضمان، بل ذلك مشعر بالأمانة، أي: الألف وديعة لا دَيْن في الذِّمة؛ لأن الحضرة تدل على الحفظ دون اللزوم، ولذلك يقبل قول الوديع المقر إذا تلفت، أو قال: رددتها، مع اليمين؛ لأن يده يد أمانة، لا ضمان.

[فائدة]

قال الحنفية: إن أسماء الظروف تدل على الظرف مع تفاوت معانيها،


(١) فواتح الرحموت (١/ ٢٥٠)، الفصول (١/ ٩٢)، البحر المحيط (٢/ ٣١٢)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٤٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>