للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - المُحْكَم:

المحْكم في اللغة مأخوذ من أحكم بمعنى أتقن، يقال: بناء محكم: أي: مأمون الانقضاض.

والمحْكم في اصطلاح أصوليي الحنفية: هو اللفظ الذي دلّ بصيغته على معناه دلالة واضحة قطعية، فهو مقصود أصالة، وسيق الكلام لأجله، ولا يحتمل تأويلًا إن كان خاصًّا، ولا يحتمل تخصيصًا إن كان عامًّا، ولا يحتمل نسخًا، فهو في غاية الوضوح في إفادة المعنى (١).

أمثلة: المحكم واقع في النصوص الشرعية التي تتضمن الأحكام الأساسية في الدِّين، مثل أصول الإيمان، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [العنكبوت: ٦٢]، ومثل أمهات الفضائل وقواعد الأخلاق التي يقرها العقل السليم، ولا تختلف باختلاف الأحوال كالعدل والصدق والوفاء بالعهد وبر الوالدين، وصلة الرحم، ويكون ضدّهما من الرذائل كالظلم والكذب ونقض العهد وعقوق الوالدين، وقطع الرحم.

كما يشمل المحْكم الأحكام الجزئية التي وقع التصريح بتأييدها ودوامها، كقوله تعالى في تحريم نكاح زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعده: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: ٥٣]، وقوله تعالى في القاذف: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في تحريم نكاح المتعة: "إنِّي كنْتُ أذِنْتُ لكم في الاستمتاعِ من النساء، وإن اللَّه حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمنْ كان عنده منهن شيء فليخلِ سبيلَه، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا" (٢)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد: "الجهادُ ماضٍ منذُ بعثَني اللَّه


(١) أصول السرخسي (١/ ١٦٥)، كشف الأسرار (١/ ٥١)، علم أصول الفقه ص ١٦٨، تفسير النصوص (١/ ١٧١)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٢٣)، أصول الأحكام ص ٢٤٠، ويرى بعض العلماء أن المحْكم يقابل المتشابه، وفيه ثمانية آراء في تفسيره وتعريفه، انظر: الحاوي للماوردي (٢٠/ ١٢٥).
(٢) هذا الحديث أخرجه مسلم وأحمد عن سبرة الجهي مرفوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>