"المشركين" عامٌّ، ونصٌّ، ويحتمل التخصيص، فجاء لفظ "كافَّة" مفسَّرًا، ومنع تخصيص العام، وهكذا كل لفظ عامّ إذا لحقه ما يمنع من تخصيصه صار مفسَّرًا؛ كقوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣)} [ص: ٧٣].
وكذلك كل لفظ مجمل إذا لحقه نص من الشارع يبين تفسيره، ويزيل إجماله، يصبح مفسَّرًا، ولا يحتمل التأويل أو التخصيص، كقوله تعالى في القتل الخطأ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}[النساء: ٩٢]، فلفظ "دية" مجمل، فجاءت السنة فبيَّنت المقدار والحدود وأنواع الدية، ومثله لفظ الصلاة، أو الزكاة، أو الحج، أو الصيام، فهو مجمل، وجاءت السنة وبيَّنت كل ذلك فأصبحت مفسَّرة تدل على معناها دلالة واضحة لا تحتمل التأويل أو التخصيص، وكذا سائر الألفاظ التي وردت مجملة ثم بيّنها القرآن أو السنة، ولو كان متصلًا بها، كقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩)} [المعارج: ١٩]، ثم فسر القرآن الكريم الهلوع، فقال تعالى: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: ٢٠ - ٢١]، ولذلك كانت السنة مبيّنة للقرآن كما سبق في بحث السّنة.
حكم المفسَّر:
إن حكم المفسر هو وجوب العمل به قطعًا كما بيّنه القرآن والسنة، أو كما ورد تفسيره أو تفصيله، ولا يحتمل أن يصرف عن معناه المُبَيَّن بالتأويل وغيره، مع بقاء احتمال النسخ فقط في زمن النبوة ونزول الوحي بالشروط التي ترد في باب النسخ.
ولا يكون البيان والتفسير المذكور هنا إلا من المشرع نفسه، فيكون بيانًا تفسيريًّا قطعيًّا، ملحقًا بالأصل، أما تفسير العلماء والمفسّرين والمجتهدين وشراح القانون فلا يدخل في ذلك، ولا ينفي احتمال التأويل (١).
(١) إن كلًّا من التفسير والتأويل يبين المراد من النص، ولكن التفسير يبين المراد بدليل قطعي من الشارع نفسه، فهو المفسَّر هنا، والتأويل يبين المراد بدليل ظني بالاجتهاد، ويحتمل أن يراد غيره. انظر: علم أصول الفقه ص ١٦٧ - ١٦٨، تفسير النصوص (١/ ١٦٩)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٢٢)، أصول الأحكام ص ٢٤٠، الحاوي الكبير (٢٠/ ١١٣).=