للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويختبر إيمانهم في الطاعة والالتزام والاستسلام للَّه تعالى، فمن ذلك:

١ - تحويل القبلة: لما هاجر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون إلى المدينة المنورة أمرهم اللَّه تعالى بالتوجه في الصلاة نحو بيت المقدس، وهو القِبلة الأولى للمسلمين، واستمر الأمر كذلك ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، ثم أنزل اللَّه تعالى تحويل القِبلة إلى الوسجد الحرام، ونسخ التوجه إلى بيت المقدس، فقال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤].

وبين اللَّه تعالى الحكمة من ذلك وهو ابتلاء المؤمنين، فقال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: ١٤٣].

٢ - تقديم الصدقة: طلب اللَّه تعالى من المسلمين تقديم صدقة قبيل مقابلة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ابتلاءً واختبارًا لإيمانهم، ولمعرفة مكانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشأنه في نفوسهم، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢)} [المجادلة: ١٢].

ثم نسخ اللَّه تعالى تقديم الصدقة للمناجاة، وخفف اللَّه عنهم شفقة بهم، فقال تعالى:

{أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٣)} [المجادلة: ١٣].

رابعًا: حِكم أخرى للنسخ:

إن النسخ له حِكم كثيرة:

منها: أن الأعمال البدنية إذا انتقلت من سلف إلى خلف صارت كالعادة عند الناس، وظنوا أنها مطلوبة لذاتها، وغفلوا عن المقصود الأصلي بها، وهو معرفة اللَّه تعالى وتمجيده عن طريق رعاية القلب والروح والمعرفة والمحبة للَّه، فيأتي النسخ ليذكر بذلك حتى لا تنشغل النفس بالصور والأشكال عن اللَّه تعالى.

ومنها: أن الخلق فطروا على المَلَلِ من الشيء، فوضع لكل مِلَّة في كل

<<  <  ج: ص:  >  >>