للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - لا يجب على اللَّه تعالى أن يحكم بحسن ما رآه العقل حسنًا، وأن يطلب فعله من الناس، ويوجبه عليهم، ولا يجب عليه أن يحكم بقبح ما رآه العقل قبيحًا، وأن يطلب من الناس تركه، لأن إرادة اللَّه مطلقة، وهو خالق الحسن والقبيح، فله أن يشرع ما شاء على من شاء، من غير منفعة أصلًا، ولكن ثبت بالاستقراء أن اللَّه تعالى شرع أحكامه لتحقيق مصالح العباد تفضلًا منه وإحسانًا، فإن مراعاة النفع والضرر والمصلحة والمفسدة هي تفضل وكرم من اللَّه سبحانه وتعالى، وإذا لم تظهر لنا المنفعة والمصلحة فيكون الوجوب الشرعي لفائدة في الآخرة قطعًا (١).

ثانيًا: مذهب المعتزلة (٢):

يرى المعتزلة أن العقل نفسه يعرف حكم اللَّه تعالى في أفعال المكلفين قبل البعثة، بدون واسطة الرسل والأنبياء والكتب، لأن كل فعل من أفعال العباد فيه من الصفات، وله من الآثار ما يجعله نافعًا أو ضارًّا، فالفعل حسن بذاته أو قبيح بذاته، وإن العقل بناء على صفات الفعل وآثاره يستطيع أن يحكم بأنه حسن أو قبيح.

واستدلوا على ذلك بأن بعض الأفعال والأقوال لا يسع العاقل إلا أن يفعلها، ويحكم بمدح فاعلها، فهي حسنة بذاتها كالصدق والإيمان، وأن بعض الأفعال والأقوال لا يسيغ العقل فعلها، لما تجلب من المضار واستنكار الناس وذمهم، كالكذب والضرر والكفر، فلا تحتاج لإقامة الدليل عليها، فالعلم بحسنها أو قبحها ضروري، فالعدل حسن


(١) الإحكام، الآمدي: ١ ص ٨٩، أصول الفقه، الخضري: ٢٥، ٢٧، نهاية السول: ١ ص ١٥٣، الإرشاد للجويني: ص ٢٦٨.
(٢) المعتزلة أتباع واصل بن عطاء المتوفى سنة ١٣١ هـ، وعمرو بن عبيد المتوفى سنة ١٤٤ هـ، ووافقهم على مذهبهم الخوارج والشيعة الإمامية والزيدية والبراهمة والكرامية وغيرهم من الفرق التي تختلف مع أهل السنة والجماعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>