للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦]، فالقرآن ينسخ القرآن، والحديث المتواتر ينسخ القرآن، والسنة ننسخ السنة، وخبر الآحاد ينسخ خبر الآحاد.

فإن كان الناسخ أضعف من المنسوخ فلا ينسخه؛ لأن الضعيف لا يزيل القوي، وهذا مما قضت به العقول، ودل الإجماع عليه، فإن الصحابة لم ينسخوا نص القرآن إخبر الواحد (١)، وسيرد مزيد تفصيل لذلك.

[٦ - عدم إمكان الجمع]

يشترط لوقوع النسخ عدم إمكان الجمع بين الدليلين؛ ليتحقق التعارض مع تأخر أحدهما، ولذلك يقع النسخ إذا تعذر علينا الجمع بوجه صحيح، فلو أمكن الجمع بأي وجه، ولو بضرب من التأويل الذي يحتمله اللفظ، فلا يصار إلى النسخ؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إعمال أحدهما وترك الآخر، والنسخ إنهاء للحكم وعدم إعمال للنص، ولا يحتاج إليه إلا عند تعذر الجمع والتوفيق بينهما.

قال المجد بن تيمية رحمه اللَّه تعالى: "لا يتحقق النسخ إلا مع التعارض، فأما مع إمكان الجمع فلا، وقول من قال: نُسِخ صومُ يوم عاشوراء برمضان، وقال: نسخت الزكاة كل صدقة سواها، فليس يصح إذا حمل على ظاهره؛ لأن الجمع بينهما لا منافاة فيه، وإنما وافق نسخُ عاشوراء فرض رمضان، ونسخُ سائر الصدقات، فرض الزكاة، فحصل النسخ معه، لا به" (٢).


(١) المستصفى (١/ ١٢٤)، البرهان (٢/ ١٣١١)، المحلي والبناني على جمع الجوامع (٢/ ٧٨)، نهاية السول (٢/ ١٧٩)، شرح العضد على ابن الحاجب (٢/ ١٩٥)، أصول السرخسي (٢/ ٧٧)، فواتح الرحموت (٢/ ٧٦)، شرح تنقيح الفصول ص ٣١١ وما بعدها، العدة (٢/ ٧٨٨)، المسودة ص ٢٠١، إرشاد الفحول ص ١٨٦، ١٨٨ (٢/ ٥٤٠ ط محققة) البحر المحيط (٤/ ٧٩)، الإحكام لابن حزم (٤/ ٤٧٧)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ٩٢٧)، أصول الأحكام ص ٣٥٣، شرح الكوكب المنير (٣/ ٥٢٩)، الحاوي (٢٠/ ١٣٧).
(٢) المسودة ص ٢٩٩، وانظر: العدة (٣/ ٨٣٥)، شرح الكوكب المنير (٣/ ٥٣٠)، أصول الأحكام ص ٣٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>