١ - إن الاختلاف في التشريع أمر طبيعي وعادي ولا غبار عليه، ولا يوجد تشريع في الدنيا يخلو من ذلك، سواء أكان التشريع سماويًّا أم وضعيًّا، بل لا يوجد علم من العلوم الإنسانية يخلو منه، فالأدباء مختلفون في الكتابة والنقد، والشعراء مختلفون في قرض الشعر وموازينه، وعلماء القانون مختلفون في تفسيره ومضمونه وشرحه، والمحاكم مختلفة في تطبيق القانون واللوائح على الرغم من اتباعها نظامًا واحدًا، وعلماء التاريخ مختلفون في أحداثه ورواياته، والشخص الواحد يختلف رأيه من حين إلى حين ... وهكذا الأطباء والمهندسون والخبراء يختلفون في تقييم الموضوع الواحد وتشخيصه والنظر إليه، ولا يزول الاختلاف إلا إذا صار الإنسان آلة مصنعة، ولو لم يختلف الفقهاء لكانوا شواذًا عن البشر.
٢ - إن الاختلاف بين الفقهاء في الشريعة الإسلامية منحصر في الفروع الفقهية، مع الاتفاق الكامل على الأصول العامة، سواء أكانت في أصول الدين أي في العقيدة وأركان الإسلام، أم في أصول التشريع وهي القرآن الكريم والسنة الشريفة والإجماع والقياس.
فالاتفاق كامل بين الأئمة في عقيدة المسلم التي تقوم على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، والاتفاق كامل في أركان الإسلام من الشهادة والصلاة والصيام والزكاة والحج، والإجماع على صحة القرآن الكريم ونقله بالتواتر، وأنه كلام الله تعالى، وأنه حجة على المسلمين دون اختلاف على حرف واحد منه، ولا نزاع في حجية السنة، وأنها مبينة لكتاب الله، ومصدر أساسي في التشريع، ولم ينكر ذلك إلا من خرج عن الإسلام وفارق الجماعة، وأما الاختلاف في الإجماع والقياس فهو على نطاق ضيق مع الاتفاق عليهما