للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وناقش العلماء هذا الاستدلال بأن الآية دلت أن كل واحد منهما أوتي حكمًا وعلمًا، وهذا نكرة في سياق النفي، فلا تعم، ولا تدل على الصواب والحكم والعلم في حكم المسألة التي نظراها، والآية حجة عليهم؛ لأن اللَّه تعالى بين بعد ذلك مباشرة أن الحق فيما قضى به سليمان {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} مما يدل أن الحق معه فقط.

[٢ - السنة]

قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "أصحابي كالنجوم، بأيَّهم اقتدَيْتهُم اهتديتم" (١)، فالحديث جعل الاقتداء بكل واحد من الصحابة هدى، مع اختلافهم في الأحكام إثباتًا ونفيًا، فدلّ أن كلًّا منهم مصيب.

واعترض العلماء على هذا الدليل بأن الحديث ضعيف لا يحتج به في مثل هذه المسألة المهمة، ولو فُرضت صحته، فلا عموم له؛ لأنه لا يلزم من العموم في الأشخاص العموم في الأحوال، كما يمكن حمل الحديث على الاقتداء بالصحابة في الرواية، لا في الرأي والاجتهاد، فالحديث لا يدل على محل النزاع.

[٣ - الإجماع]

ثبت بالتواتر المعنوي أن الصحابة رضوان اللَّه عليهم اجتهدوا واختلفوا، وأجمعوا على تسويغ الخلاف بينهم، ولم ينكر أحد ذلك، ولم يخطئ بعضهم بعضًا في الاجتهاد، مع احترام الرأي الآخر، وتعظيم بعضهم لبعض، فدل ذلك على أن كل واحد مصيب فيما ذهب إليه، ولو كان المصيب واحدًا والآخر مخطئًا لأنكر عليه، وقد ثبت إنكارهم لمن خالف النص أو الإجماع، مما يدل على أن كل مجتهد مصيب.

واعترض العلماء على هذا الاستدلال، وأنه ثبت أن بعضهم خطّأ، الآخر، وهذا لا يتنافى مع أدب الحوار والخلاف والاحترام، وإن الإنكار يتحتم إذا تعين المخطئ، وهذا غير معين، وكان كل مجتهد يعمل بما غلب


(١) هذا الحديث رواه ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله ٢/ ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>