للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستمرار على ترك المنهي عنه؛ لأن فاعل المنهي عنه في أي وقت من الأوقات بعد ورود النهي فاعل لما طلب منه الكف عنه، ولا يعتبر ممتثلًا، ويعد مخالفًا لغة وعرفًا، ويستدل بذلك العلماء بلا نكير، وحكاه بعضهم إجماعًا، فإذا نهى الشارع عن شيء وجبت المبادرة فورًا إلى تركه، وإلى الامتناع عن فعله في جميع الأوقات، حتى يتحقق الامتثال للنهي، ولتجنب المفسدة والضرر الذي كان باعثًا على طلب الكف عنه.

وهذا خلاف الأمر؛ لأن الأمر له حد ينتهي إليه، فيقع الامتثال فيه بالمرة، وأما الانتهاء عن المنهي عنه فلا يتحقق إلا باستيعابه في العمر، وعند الاستمرار به يتحقق الكف.

ويستثنى من ذلك إذا وردت قرينة تصرف النهي عن الفورية أو الدوام، كالنهي عن شيء في وقت معين، أو إذا كان النهي مقيدًا بصفة أو شرط، فتكون دلالة النهي بحسب القيد، كالنهي عن صوم يوم النحر، فلا يشمل غيره، ولا يقتضي الفورية، ونهي الحائض عن الصلاة لأجل الحيض، وغير ذلك من القرائن التي أشرنا إليها، فإنها تصرف دلالة النهي إلى المعنى المراد منها مجازًا (١).

[دلالة النهي على الفساد أو البطلان]

أشرنا سابقًا في مبحث الصحيح وغير الصحيح إلى الفرق بين الفساد والبطلان عند الحنفية، خلافًا للجمهور الذين لا يفرقون بين الفاسد والباطل، وأنهما مترادفان، ومع ذلك يختلف العلماء في أثر النهي في المنهي عنه، مع التفريق بين العبادات والمعاملات، والأمور الحسيّة، والتصرفات الشرعية، وكون النهي ورد على ذات المنهي عنه، أو على صفة من صفاته، أو على


(١) تيسير التحرير (١/ ٣٧٦)، المسودة ص ٨١، مختصر البعلي ص ١٠٥، فواتح الرحموت (١/ ٤٠٦)، البحر المحيط (٢/ ٢٤٣٠)، نهاية السول (٢/ ٦٣)، العدة (٢/ ٤٢٨)، شرح الكوكب المنير (٣/ ٩٦)، شرح تنقيح الفصول ص ١٦٨، وما بعدها، المدخل إلى مذهب أحمد ص ١٠٥، المحصول (٢/ ٤٧٠، ٤٧٥)، العضد على ابن الحاجب (٢/ ٩٨)، مختصر البعلي ص ١٠٥، البناني على جمع الجوامع (١/ ٣٩٠)، تفسير النصوص (٢/ ٣٨٢)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٢٣٥)، علم أصول الفقه ص ١٩٦. =

<<  <  ج: ص:  >  >>