للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة الأولى: تعدد قول المجتهد]

اتفق العلماء على أنه يجوز تعدد أقوال المجتهد في وقتين، ويكون القول المتأخر تغييرًا للقول الأول، وهو ما سنعرضه في المسألة الثانية في تغير الاجتهاد.

أما تعدد الأقوال لمجتهد واحد، في مسألة واحدة، في وقت واحد، وبالنسبة لشخص واحد، فلا يجوز أن يكون له قولان متعارضان؛ لأنه يؤدي إلى التناقض، ولأن اعتقاد ذلك في الوقت الواحد محال، لأنه يدخل في أحد الاحتمالات التالية:

١ - إذا كان القولان فاسدين، أو بدليلين فاسدين، وعلم المجتهد ذلك، فالقول بهما حرام، ويبطل القولان، ويكون المجتهد لا قول له في المسألة.

٢ - إذا كان أحد القولين فاسدًا، أو كان دليل أحدهما باطلًا، وعلم المجتهد بذلك، فيكون ذلك حرامًا، ويبطل القول الفاسد منهما، ويثبت الصحيح.

٣ - إذا كان القولان صحيحين، لدليلين صحيحين، فالقول بهما محال؛ لأنه تضاد، وإذا كان المجتهد لم يعلم بفساد الرأيين، أو الدليلين، أو أحدهما، فيعتبر غير عالم بالمسألة، وبالتالي فلا قول له فيها، ويلزمه التوقف، أو الجمع بين القولين والتخيير بينهما، وإن علم ترجيح أحدهما، أخذ به ورجحه، وتعين عليه الأخذ به.

وروي عن الشافعي رحمه اللَّه تعالى أنه قال في ستة عشر موضعًا، أو في سبعة عشر، بقولين مختلفين، قال الشيخ أبو حامد رحمه اللَّه تعالى: "وهو دليل على علو شأنه"، وأجاب العلماء عن ذلك بعدة أجوبة، منها أن الشافعي ذكرهما عن طريق الحكاية لمن سبقه للدلالة على عدم وجود إجماع في المسألة، أو لبيان التخيير بين الحكمين، أو لوقوع التردد والشك، فلا ينسب القولان له، أو لتعارض الدليلين عنده، وترك الترجيح لغيره (١).


(١) الإحكام للآمدي (٤/ ٢٠١)، المحصول (٣/ ٥٢٣)، المحلي على جمع الجوامع (٢/ ٣٥٩)، نهاية السول (٣/ ١٨٤)، المعتمد (٢/ ٢٩٩)، تيسير التحرير ٤/ ٢٣٢، فواتح الرحموت (٢/ ٣٩٥)، مختصر ابن الحاجب (٢/ ٢٩٩)، البرهان (٢/ ١٣٦٣)، الروضة =

<<  <  ج: ص:  >  >>