قبل التحدث في النسخ لا بدّ من الإشارة إلى بعض الأمور المهمة التي تتعلق به، وهي:
١ - إن بحث النسخ يدخل في قسم الدَّلالات، أو دلالات الألفاظ، أو تفسير النصوص، التي تتعلق بمباحث الكتاب والسنة لبيان الأحكام منها، ويسمى النسخ بيان التبديل، وفيه جمع بين النَّصين المتعارضين، فيكون المتأخر ناسخًا للمتقدم، ولذلك اعتبره الشافعي رحمه اللَّه تعالى من بيان الأحكام، وكان أول من حرّر الكلام فيه في كتابه القيم المشهور "الرسالة" في الأصول.
٢ - إن بحث النسخ -اليوم- هو بحث تاريخي بحت؛ لأنه يتعلق بزمن النبوة حصرًا، ووقت نزول الوحي الإلهي، ثم انتهى النسخ في الشريعة بانقطاع الوحي، وانتهاء النبوة، واستقرت الأحكام الواردة في القرآن والسنة، وأصبحت مُحْكَمة، ولا يمكن النسخ بعد ذلك مطلقًا.
٣ - إن فائدة دراسة النسخ بعد عصر النبوة تنحصر في أمرين:
أ- إن معرفة الناسخ والمنسوخ شرط من شروط الاجتهاد حتى يعرف المجتهد الآيات والأحاديث المنسوخة التي انتهى العمل بها، وألغيت الأحكام الواردة فيها، وأنها تذكر لمجرد العلم، وللتحرز من الاعتماد عليها.
ب- إن المبادئ الأساسية الشرعية للنسخ مقررة في جميع الأنظمة والقوانين التي يصدرها الإمام بمقتضى السياسة الشرعية، وبما يعتمد على المصالح، والأعراف، وما تصدره الدول اليوم من قرارات ومراسيم وأنظمة وقوانين، فإنها تخضع للنسخ والإلغاء والإبطال بصدور ما يخالفها.