رسول اللَّه هو المبيّن عن ربه كلامه وأحكامه، وأنه يعرف يقينًا مراد اللَّه في كتابه، وأن بعض الآيات تنسخ أخرى ولو ضمنًا، فيبينها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في السنة، فيكون النسخ للقرآن بالقرآن، والسنة تبين ذلك وتكشفه، بدليل أنه لم يظهر أثر للاختلاف، وأن الشافعي يوافق سائر الأئمة فيما قالوا بنسخها، قال الزركشي رحمه اللَّه تعالى:"وهذا تعظيم عظيم، وأدب مع الكتاب والسنة، وفهم بموقع أحدهما من الآخر"(١).
[وجوه معرفة النسخ والناسخ]
إذا ورد في النصوص الشرعية نصان متعارضان، ولم يمكن الجمع بينهما بحال، وتحققت شروط النسخ السابقة، فيكون أحدهما ناسخًا، والآخر منسوخًا؛ لأنه لا تعارض ولا تناقض في الشريعة؛ لأنه يمتنع اجتماع الأمرين المتعارضين في حال واحدة لشخص واحد.
ويعرف النسخ والناسخ إما بالكتاب أو بالسنة أو بالإجماع، أو بأحد دلائل الأصول الأخرى، وهي:
[١ - الكتاب]
يعرف النسخ والناسخ بالكتاب بأحد الوجوه التالية؛ لأنه إذا تقدم أحد الحكمين وتأخر الآخر، فيكون المتقدم منسوخًا، والمتأخر ناسخًا، والمراد من التقدم التقدم في التنزيل، لا في التلاوة، فإن العدة بأربعة أشهر سابقة في التلاوة على العدة بالحول، مع أنها ناسخة لها، كما سبق بيانه، وهذا له وجهان:
أ- مقتضى اللفظ الصريح الذي يدل على النسخ، كقوله تعالى:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}[الأنفال: ٦٦]؛ فإنه يقتضي نسخ ما جاء في الآية قبلها {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}[الأنفال: ٦٥]، فالأولى تقتضي صراحة نسخ ثبات الواحد للعشرة، وقوله تعالى:{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ}[البقرة: ١٨٧]، فإنه يقتضي صراحة نسخ الإمساك بعد الفطر، وقوله تعالى:{أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ}