للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجمود النشاط العلمي، وشيوع المذاهب الفقهية واستقرارها، ونتج عن ذلك التعصب المذهبي، والعكوف على نصوص الأئمة والفقهاء السابقين، وإثارة الخلافات المذهبية، والمناظرات والمجادلات الضيقة، والوقوف على الفروع الفقهية والجزئيات الخلافية، مع ضعف الملكات، وغياب الحركة الاجتهادية، وضعف الوازع الديني، حتى وصل الأمر إلى ادّعاء الاجتهاد من غير أهله، والتصدي للفتوى وإبداء الآراء المخالفة لأبسط الأسس والقواعد الشرعية، ولذلك أعلن كثير من العلماء غلق باب الاجتهاد؛ لسد الطريق أمام الجهال أو أنصاف العلماء، للوقوف حصرًا على أقوال المذهب المنتشرة والسائدة، وذلك بحسن نية، ومن باب السياسة الشرعية التي تعالج حالة قائمة، أو أمرًا مؤقتًا، أو فوضى اجتهادية، وظرفًا طارئًا، وليس لها دليل شرعي صحيح، أو حجة قوية، ثم شاع ذلك وانتشر (١).

وكان من أثر هذه الدعوة، ورفع هذا الشعار أن فترت الهمّة، وجمد النشاط، وخف الاجتهاد إلى أدنى مستواه، وانصرف معظم الفقهاء إلى تدوين الكتب المذهبية والخلافية، واختصارها في متون، ثم وضع الشروح والحواشي عليها، وجمع أقوال إمام المذهب، ولمّ شتات الوجوه وأقوال الأصحاب والأتباع، مع الالتزام المذهبي والتعصب له، وعدم قبول رأي المذهب الآخر، حتى ضاق بعض الحكام والناس من الفراغ التشريعي لتطور، الحياة ومستجدات الزمن، واستغل أعداء الإسلام هذه الحالة، فجاؤوا بتشريعاتهم ونظمهم التي فرضوها على المسلمين.

[فتح باب الاجتهاد]

إن الأسباب التي دعت بعض العلماء إلى الفتوى بقفل باب الاجتهاد لم تكن عامة، ولم يتم الاتفاق عليها، ولم تصدر بصيغة رسمية بمنع العلماء من


(١) يقول الشيخ محمد سعيد الباني رحمه اللَّه تعالى عن دعوى سد باب الاجتهاد: "دعوى فارغة، وحجة واهنة، أوهن من بيت العنكبوت؛ لأنها غير مستندة إلى دليل شرعي أو عقلي سوى التوارث" عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق ص ٦٢، وانظر: إرشاد الفحول ص ٢٥٣، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ١٠٨٥)، أصول الأحكام ص ٣٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>