للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للنصوص، أو للإجماع، أو ما عُلم من الدِّين بالضرورة، أو اتفاق المذاهب، فلا يجوز للمستفتي العمل به، ولا يبرئه أمام اللَّه تعالى أن يدّعي الاعتماد على هذا الحكم الباطل، ولذلك حذَّر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فقال: "استفت نفسك، وإن أفتاك الناس وأفتوك" (١).

[الركن الثالث: المستفتى فيه]

وهو المسألة التي تقع، أو تحيط بالشخص، وتكون في الأصل ظنية اجتهادية، أما القضايا العلمية المعتمدة على الأدلة الظاهرة فيتعلمها المسلم حكمًا، ومع ذلك فالمستفتى فيه يشمل الأمرين، والمفتي يخبر بالأحكام الثابتة بالأدلة، وبالأحكام الاجتهادية، ويجب على المستفتي اتباع قول المفتي؛ لأنه هو حكم الشرع لما سأل عنه.

ويشترط في المستفتى فيه أن يكون قد وقع فعلًا، ولا مجال للفتوى عن الأمور التي لم تقع، أو الافتراضية، أو الأشياء التي لا فائدة منها، كالأسئلة الآن عن حكم الرق والعبيد والعتق وما يتعلق به (٢).

وقال ابن عمر رضي اللَّه عنه: "لا تسألوا عما لم يكن، فإن عمر نهى عن ذلك"، وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن الصحابة: "ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم" (٣)، واحتج الشافعي رحمه اللَّه تعالى على كراهة السؤال عن الشيء قبل وقوعه بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١)} [المائدة: ١٠١]، وثبتت كراهية السؤال عما لم يقع (٤).

قال ابن النجار رحمه اللَّه تعالى: "إذا سئل عما لم يقع، فإنه لا يلزمه


(١) هذا الحديث رواه أحمد والطبراني وأبو يعلى وأبو نعيم عن وابصة مرفوعًا (كشف الخفا ١/ ١٣٦).
(٢) أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ١١٥٧)، شرح الكوكب المنير (٤/ ٥٨٥).
(٣) هذان الأثران رواهما الدارمي (١/ ٥٠، ٥١).
(٤) الأم (٥/ ١١٣)، الرسالة ص ١٥١ هامش، شرح الكوكب المنير (٤/ ٥٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>