وذلك كالحكم بطهارة سؤر سباع الطير كالصقر والنَّسْر مراعاة للضرورة؛ لعدم إمكان الأعراب وسكان الصحارى من الاحتراز منها، وصحة بيع العقار اليوم بذكر صحيفته العقارية (السجل العقاري = الطابو) حسب التنظيمات الحاضرة.
[٤ - اختلاف البلدان]
قد يكون لبعض البلاد أعراف خاصة، وتنظيمات معينة، ومعاملات خاصة، واهتمامات متميزة، وهي مما يجب مراعاته عند الاجتهاد ومعرفة الأحكام التي تناسب هذا البلد دون غيره.
ومن هنا ظهر بعض الاختلاف في الأحكام بين أهل مكة وأهل المدينة؛ لأن مكة تعتمد على التجارة، ولا تعرف الزراعة وما يتعلق بها، وأهل المدينة يعتمدون على الزراعة، وتقل فيهم التجارة.
ولهذه الأسباب مجتمعة أو متفرقة كان المجتهد يُغير اجتهاده إذا انتقل من بلد إلى آخر، كما حصل مع الإمام الشافعي عندما غيّر اجتهاده في مسائل عديدة عندما انتقل من الحجاز إلى العراق، ثم استقر في مصر، وكتب مذهبه الجديد، وخالف فيه بعض اجتهاداته التي عرفت بالمذهب القديم (١).
ومن هنا أيضًا تتغير الفتوى للأسباب السابقة، أو لبعضها، مما يجب مراعاته، وسوف نراه في الفصل الثالث في الفتوى.
ويختلف الأمر في أثر تغيير الاجتهاد من المجتهد نفسه إذا عمل بالرأي الأول، أو أفتى به غيره وعمل به، أو قضى به القاضي، كما سنرى في المسألة التالية: نقض الاجتهاد.
(١) الفروق (١/ ١٧١)، رسائل ابن عابدين (٢/ ١٢٥)، أعلام الموقعين (٣/ ١٤) وما بعدها، الموافقات (٢/ ٣٠٦)، شرح الكوكب المنير (٣/ ٥٠٩)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ١١١٣، ١١١٦). البحر المحيط (٦/ ١١٨).