للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ظنه، وهو مثاب عليه، مع تعدد الأقوال.

[٤ - المعقول]

قرر العلماء أن كل واحد من المجتهدين ملزم باتباع ما غلب على ظنه، فهذا يدل على كونه صوابًا، وأن كل مجتهد مصيب، ولو كان الحق متعينًا في جهة واحدة أو قول واحد، لما وجب على المجتهدين ذلك، ولو كان الحق متعينًا عن اللَّه في باب الاجتهاد في كل مسألة، لنصب عليه دليلًا قطعيًّا دفعًا للإشكال، ويكون الاجتهاد المخالف لذلك فسقًا، وفاعله آثم، كالمخالف في العقليات؛ لأنه حكم بغير ما أنزل اللَّه، وهذا لا ينطبق على المجتهدين، فثبت أن كل مجتهد مصيب.

واعترض العلماء على ذلك بأنه لا يُلزم الشارع بمراعاة وجه الحكمة والمصلحة في ذات التشريع، فقد تكون الحكمة مختصة بعلم اللَّه تعالى، ويدعو المجتهدين للاجتهاد فيها؛ ولأن المجتهد مكلف بالعمل بما أداه إليه اجتهاده، ولم يكلف بإصابة الحق، فلو أداه اجتهاده إلى حكم، لزمه العمل به، ولو كان خطأ في الواقع وعند الله تعالى مما لا يعلمه الإنسان.

كما يترتب على قول المصوبة أن حكم اللَّه تابع لظن المجتهد، وقد يجتهد اثنان ويختلفان، فيقع اجتماع النقيضين أو الضدين، وأن هذا التناقض منسوب للَّه تعالى، وهذا غير مقبول شرعًا (١).

ثانيًا: المخطئة وأدلتهم:

تقول المخطئة: إن المصيب في الاجتهاد في المسألة واحد، وغيره مخطئ، وإن الحق لا يتعدد، لأن للَّه تعالى حكمًا معينًا في كل واقعة قبل الاجتهاد، فمن أصابه باجتهاده فهو المصيب، ومن لم يصبه فهو المخطئ، فالمصيب واحد، مع إثبات الأجرين للمصيب، والأجر الواحد للمخطئ؛ لأن المجتهد ليس مكلفًا بإصابة الدليل؛ لخفائه وغموضه، لذلك كان معذورًا بخطئه، مأجورًا عند اللَّه على اجتهاده (٢).


(١) سنذكر المصادر والمراجع لهذا الرأي وأدلته مع مصادر ومراجع الرأي الثاني فيما يأتي.
(٢) انظر دلالة الحديث ومعناه عند الماوردي رحمه اللَّه تعالى في (الحاوي ٢٠/ ١٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>