بالتوسع والتطور والنقل في عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبدأت أحكامه بالتدوين في نهاية القرن الهجري الأول، ووصل إلى طور النضج والكمال في القرن الثاني عند ظهور الأئمة، بينما تأخر علم الأصول في الظهور إلى القرن الثاني، ووضعت قواعده ومبادئه وتدوينه في نهاية القرن الثاني الهجري، فما هو السبب في سبق الفقه للأصول؟ مع أنه أساس الفقه؟
الجواب أن علم أصول الفقه عبارة عن موازين لضبط الاستنباط ومعرفة الخطأ من الصواب في الاجتهاد، فهو علم الضوابط لمادة الفقه، والضابط يأتي بعد وجود المادة في كل العلوم، فعلم النحو والإعراب الذي وضع أساسه الإمام علي وأبو الأسود الدؤلي، جاء متأخرًا عن النطق بالفصحى، وعلم العروض الذي وضع أصوله الخليل بن أحمد الفراهيدي جاء متأخرًا عن قول الشعر وقرضه موزونًا، وعلم المنطق الذي دونه أرسطو جاء متأخرًا عن الجدل والتفكير والمناظرة التي رافقت نشوء البشرية (١).
والسبب الرئيسي أن الفقه وأحكام الشرع الأولى نزلت مباشرة من السماء، واعتمد على الوحي لتغطية أحكام الناس في زمن البعثة، مع بيان القواعد والأسس والمناهج لما يحتاجه الناس في المستقبل، وفي القرآن والسنة منهج الأصول والاستدلال، ولما استحدثت القضايا والمسائل واحتاج الناس إلى الاجتهاد لتغطية الأحكام احتاج الناس إلى معرفة المنهج والقواعد والضوابط، فجاء علم أصول الفقه.
وقال الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله: الأمر الذي لا شك فيه أن علم الفقه سابق على علم أصول الفقه، فالفقه نشأ بالاستنباط والفتيا
(١) مناقب الشافعي، الرازي: ص ٥٧، أصول الفقه، أبو زهرة: ص ١٣، الإنصاف في بيان سبب الاختلاف، الدهلوي: ص ١٧، ٣٦. =