للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧]، فالمقصود تحريم القربان حين الحيض دائمًا، وإباحة الأكل والشرب في ليالي رمضان حتى الفجر، وهي ليست مؤقتة، بل ثابتة على الدوام.

لكن حصل اختلاف لفظي أو ظاهري في حقيقة التأبيد، وجواز النسخ فيما لحقه تأبيد، فقال الجمهور وهم الشافعية والمالكية والحنابلة وجماعة من الحنفية: يجوز نسخ ما لحقه تأبيد؛ لأن التأبيد ظاهر في جميع الأزمان لعمومه، والمراد منه بعض الأزمان دون بعض، ولأن العادة في لفظ التأبيد هو المبالغة لا الدوام، كما تقول: لازم غريمك أبدًا، وأنت تريد لازمه إلى وقت القضاء، والمراد به لا تتركه إلى أن ينقضي وقته، ولأن المطلق يقتضي التأبيد كالمؤكد، ومع ذلك يجوز نسخه، ولأنه لما جاز انقطاع المؤبد بالاستثناء، كقوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٤ - ٥]، فجاز انقطاعه بالنسخ كالمطلق.

وقال أكثر الحنفية: لا يجوز نسخ ما لحقه تأبيد؛ لأنه يؤدي إلى التناقض والبداء، والشارع الى حكيم منزه عن ذلك، فلا يصح القول بنسخه، ولأن التأبيد كالتنصيص على كل وقت من أوقات الزمان بخصوصه، وهذا لا يجري فيه النسخ باتفاق، فكذلك المؤبد والمؤقت، وإرادة بعض الأزمنة في الخطاب الدائم مجاز لا يصار إليه إلا بقرينة، فالتأبيد مانع من احتمال النسخ (١).

والراجح أن التأبيد أو التأقيت إن كان حقيقيًّا فالقول الثاني هو الراجح، وإن قصد به المبالغة ومجرد المثال فالقول الأول هو الراجح.


(١) المحصول (٣/ ٤٩١١)، الإحكام للآمدي (٣/ ١٣٤)، التبصرة ص ٢٥٥، المعتمد (١/ ٤١٣)، أصول السرخسي (٢/ ٦٠)، كشف الأسرار (٣/ ١٦٤)، البرهان (٢/ ١٢٩٨)، فواتح الرحموت (٢/ ٦٨)، شرح العضد على ابن الحاجب (٢/ ١٩٢)، شرح تنقيح الفصول ص ٣١٠، المسودة ص ١٩٥، حاشية البناني على جمع الجوامع (٢/ ٨٥)، التلويح على التوضيح (٢/ ٢٣)، الحاوي (٢٠/ ١٣٢)، شرح الكوكب المنير (٣/ ٥٣٩)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ٩٥٤)، إرشاد الفحول ص ١٨٦ (٢/ ٥٤٠ ط محققة) أصول الأحكام ص ٣٥٣، البحر المحيط (٤/ ٧٩)، الفصول في الأصول (٢/ ٢٠٨)، المدخل إلى مذهب أحمد ص ١٠٠. =

<<  <  ج: ص:  >  >>