للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصالح الناس، وبنيت على عللٍ مطّردة، وليست عبثًا لغير علة، إلا ما ورد فيه نص خاص لحالة خاصة بدليل مقبول.

لذلك فتح الشرع والعقل باب الاجتهاد، وشرع القياس، ليتم تطبيق النصوص السابقة علي جميع الحالات والصور والوقائع المستجدة التي تماثل ما تمَّ النص عليه، هذا ما يقتضيه العقل، والمنطق، والعدل، بأن تكون الحالات المتشابهة لها أحكام واحدة.

وهنا يأتي دور العلماء والفقهاء والأئمة والمجتهدين والمفسرين وشراح القوانين والقضاة والمحامين لبيان علة الحكم، ودلالة النص، ومن ثمَّ تعدّيه إلى الحالات المتماثلة ليشمل النّص الجميع، ويتم القياس عمليًّا (١)، وذلك بمعناه العام الذي يشمل مختلف صنوف الاجتهاد فيما لا نص فيه.

والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا، وسبق بيان بعضها في باب القياس، وفي الدلالات وتفسير النصوص، وإن وقع اختلاف في الاجتهاد والتطبيق فلا ضَيْر فيه، فالاختلاف واقع حتمًا، وعلامة صحة، وليس علة مرض.

فمن ذلك الاستدلال بدلالة النص، أي ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه لاشتراكهما في علة يفهمها كل عارف باللغة، وذلك أن القارئ أو السامع يفهم من روح النص ومعقوله أنه يدل على محل النطق، وعلى كل واقعة تشابهه وتساويه في العلة، كمن يسمع قوله تعالى في الوصية بالوالدين: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: ٢٣]، فيدرك أنه يحرم الضرب بالأولى، ومن يسمع قوله تعالى عند الوصية بالتيامى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)} [النساء: ١٠]، فيدرك من النص حرمة أكل مال اليتيم، ويفهم فورًا أنه يحرم إتلافه وحرقه وغصبه والاعتداء عليه.


(١) نذكّر بتعريف القياس بأنه إلحاق واقعة لا نص على حكمها بموافقة ورد نص. بحكمها، في الحكم الذي ورد به النص، لتساوي الواقعتين في علة هذا الحكم، علم أصول الفقه، خلاف ص ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>