للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن اجتهد في هذه الأمور العقلية، فيجب أن يهتدي إلى الحق والصواب فيها؛ لأن الحق فيها واحد لا يتعدد، والمصيب فيها واحد بعينه، وهذا رأي عامة الأصوليين، وقال بعضهم: إنه إجماع (١)، لأن تعدد الأقوال فيها يؤدي إلى اجتماع النقيضين أو الضدين، وهو باطل، والحق واحد، فمن أصابه أصاب الحق، ومن أخطأه فهو آثم، ثم يختلف الإثم، فإن كان الخطأ فيها يرجع إلى الإيمان باللَّه ورسوله فالمخطئ كافر (٢)، واستدل العلماء على ذلك بقوله تعالى: {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [صَ: ٢٧]، وقوله تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} [فصلت: ٢٣]، وقوله تعالى: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [المجادلة: ١٧]، وقال عن الكفار: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: ١٠]، فاللَّه سبحانه ذمهم على معتقدهم، وتوعدهم بالعقاب عليه، ولو كانوا معذورين فيه لما كان الوعيد، ويؤكد ذلك أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - طالب الكفار من اليهود والنصارى بتصديقه واعتقاد رسالته، وذمّهم على معتقداتهم، ولو كانوا مجتهدين فيها، وأجمعت الأمة على ذم الكفار، ومطالبتهم بترك اعتقادهم، وطالبوهم باعتناق رسالة الإسلام.


= وقالوا: القرآن مخلوق، لأنهم ينكرون الصفات الأزلية للَّه، والقرآن من الصفات، وقال بذلك الجهمية والخوارج وبعض المرجئة.
وقال أهل السنة: إن اللَّه يخلق الاستطاعة على الفعل عندما ينبغي أن تكون، فيخلق القطع بالسكين حين تلامس المقطوع، وقالوا: إن أفعال العباد اختيارية واقعة بقدرة اللَّه تعالى وحدها، وقال المعتزلة؛ بقدرة العبد وحدها، وتكون الاستطاعة قبل الفعل، فالسكين تقطع باستطاعة فيها، والإيمان والكفر باستطاعة خلقت في الإنسان، وهذا من مباحث علم الكلام، فانظره في كتبهم.
(١) قال ابن النجار رحمه اللَّه تعالى: "والمجتهد المصيب في الأمور العقليات واحد إجماعًا" شرح الكوكب المنير (٤/ ٤٨٨).
(٢) قال الجاحظ وعبيد اللَّه بن الحسن العنبري من المعتزلة: لا إثم عليه؛ لأنه نظر وبذل ما في وسعه، ولو كان مخالفًا ملة الإسلام، واستشنع المعتزلة هذا القول؛ لأنه يقتضي تصويب اليهود والنصارى وسائر الكفار في اجتهاداتهم العقدية (انظر: البحر المحيط ٦/ ٢٣٦، إرشاد الفحول ص ٢٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>