للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسميت بدلالة النص لأن الحكم الثابت بها لا يفهم من اللفظ، كما في العبارة أو الإشارة، وإنما يفهم من طريق علة الحكم الأولوي أو المساوي (١).

مثال دلالة النص الأولوي: قوله تعالى عند الوصية بالوالدين: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: ٢٣]، فالآية دلت بالعبارة الصريحة على تحريم التأفف، وعلته ما فيه من الأذى، وتدل الآية بدلالة النص على تحريم الضرب والشتم والحبس وغيره؛ لأنه أشد إيذاءً؛ ولأن المتبادر لغةً من النهي عن التأفف النهي عما هو أكثر إيذاء للوالدين، ويكون الحكم في المسكوت عنه (المفهوم بالدلالة) أولى من الحكم المنطوق به (المفهوم من العبارة)، وهذا يفهمه كل عارف باللغة.

ومثال دلالة النص المساوي: قوله تعالى في رعاية مال الأيتام والتحذير من أكله بدون حق: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)} [النساء: ١٠]، فالآية تدل بالعبارة على تحريم أكل أموال اليتامى ظلمًا، وعلة ذلك تتبادر بمجرد معرفة اللغة، وهي تبديد هذه الأموال وتضييعها عليهم، فتدل الآية من طريق دلالة النص على تحريم إحراق أموال اليتامى وإتلافها بأي وسيلة، فيكون الإتلاف أو الإحراق حرامًا كالأكل؛ لمساواته له في علة الحكم (٢).


= تفسير النصوص (١/ ٥١٦)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٥٣)، أصول الأحكام ص ٢٥٦، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص ١٣٢.
(١) تسمى هذه الدلالة فحوى الخطاب، أي: مقصده ومرماه، ويعتبرها الشافعي وغيره من القياس الجلي، وتسمى عندهم مفهوم الموافقة فإن كان أولى فهو فحوى الخطاب، وإن كان مساويًا فهو لحن الخطاب، انظر: شرح الكوكب المنير (٣/ ١٥٤، ٤٨٢)، حاشية البناني (١/ ٢٤١)، إرشاد الفحول ص ١٧٨، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٥٣)، وسيأتي تفصيل ذلك في منهج المتكلمين في دلالة اللفظ.
(٢) أصول السرخسي (١/ ٢٤٢)، شرح الكوكب المنير (٣/ ٤٨٢)، تفسير النصوص (١/ ٥١٨، ٥٢٠)، علم أصول الفقه ص ١٤٨، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٥٢)، وما بعدها، أصول الأحكام ص ٢٥٧، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>