للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس للعالم أن يحكم بهواه وشهوته من غير نظر في دلالة الأدلة، وأن الله تعالى خاطب نبيه فقال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: ٤٩].

والواقع أن الحنفية نظروا إلى الاستحسان من وجهة نظر معينة تختلف عن وجهة نظر الشافعية، وأن اختلافهم في تحديد معناه أدى إلى اختلافهم في حجيته، وأن الشافعية والمالكية، لا ينكرون وجهة نظر الحنفية في مراعاة القياس القوي وتقديمه عند تحقق المصلحة، ويؤيدون ترجيح قياس على قياس لعلة أو سبب، وكذلك الحنفية يوافقون الشافعية في إنكار الاستحسان الموسوم بالتشهي وإعمال العقل والتحكّم والهوى في الأحكام الشرعية، ولو نظر كل طرف في المعنى الذي حدده الآخر لوافقه عليه، فالاختلاف بينهم هو اختلاف لفظي كما يقول علماء الأصول، وأنهم متفقون على استعمال لفظه وحقيقته في الأحكام العملية في مسائل كثيرة (١)، من ذلك استحسان المصلحة، والاستصناع للمصلحة، وأقر المالكية الاستصلاح، وهو مصلحة (٢).


(١) يطلق الحنفية قاعدة الاستحسان السابقة على النصوص الشرعية في الكتاب والسنة وعلى الإجماع فإذا ورد حكم شرعي خاص مستثنى من القاعدة العامة أو الأصل فإنهم يسمونه استحسان النص، أي استحسان المشرع، وإذا أجمع المسلمون على حكم خاص، يخالف قاعدة عامة، سموا الاجماع استحسانًا، والحقيقة أن هذا الإطلاق توسع في الاستحسان، وأنه محاولة لزيادة الاستدلال على حجية الاستحسان وأنه وارد في النصوص والإجماع، ولكن لا يصح أن يطلق عليه هذا الاصطلاح، لأنه اصطلاح متأخر، له مدلول خاص، علمًا بأن استحسان النص أو الإجماع أو الضرورة متفق عليه، وإنما الخلاف في استحسان الرأي أي في القياس الخفي فقط، انظر: كشف الأسرار: ٤ ص ١٢٥، تسهيل الوصول: ص ٢٣٤، المدخل الفقهي العام: ١ ص ٥٧، الإحكام، الآمدي: ٤ ص ١٣٦، التلويح: ٣ ص ٢، أصول السرخسي: ٢ ص ٢٠٢.
(٢) قال الشيرازي بعد تحرير الخلاف: "فيسقط الخلاف في المسألة" اللمع ص ٣٣٤ ط =

<<  <  ج: ص:  >  >>