للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - المندوب مطلوب كالواجب، ولكن الواجب مطلوب مع ذم تاركه، والمندوب مطلوب من الشارع مع عدم ذم تاركه، والطلب أمر من الشارع، فالمندوب مأمور به.

القول الثاني: أن المندوب ليس مأمورًا به حقيقة، وإنما هو مأمور به مجازًا، وهو رأي بعض الحنفية، كالكرخي والرازي، وأخذت به كتب الحنفية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

١ - لو كان المندوب مأمورًا به حقيقة لكان تركه معصية، والمعصية معاقب عليها لمخالفة الأمر، مع أن العلماء اتفقوا على أن ترك المندوب لا يكون معصية، وأن التارك لا يعاقب فاعله، ولا يذم -كما سبق في حكمه- فكان المندوب مأمورًا به مجازًا فقط (١).

ويعترض الغزالي عليهم بأن الندب اقتضاء لا تخيير فيه، لأن التخيير عبارة عن تسوية بين أمرين، فإذا رجح جهة الفعل بربط الثواب به ارتفعت التسوية والتخيير، واللَّه تعالى يقتضي من عباده ما فيه صلاحهم، ويقتضي بالندب لنيل الثواب، وأما القول بأن تاركه لا يسمى عاصيًا فسببه أن العصيان اسم ذم مختص بمخالفة أمر الإيجاب، وقد أسقط الذم عن المندوب، ويسمى تاركه مخالفًا وغير ممتثل، كما يسمى فاعله موافقًا ومطيعًا (٢).

٢ - قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" (٣)، فالسواك مندوب، ولم يأمر به الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو أمر به لكان واجبًا.


(١) فواتح الرحموت: ١ ص ١١١، تيسير التحرير: ٢ ص ٢٢٤، مباحث الحكم: ص ٩٤، أصول السرخسي: ١ ص ١٤ وما بعدها.
(٢) المستصفى: ١ ص ٧٦، الإحكام، الآمدي: ١ ص ١١٣.
(٣) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد ومالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>