للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخالف في ذلك الكعبي من كبار المعتزلة، وقال: إن المباح مأمور به، ونفى وجود المباح في الأحكام الشرعية، وأن الأحكام الشرعية إما أن تكون مطلوبة الفعل أو مطلوبة الترك، واستدل على ذلك بأن القيام بأحد المباحات يشغل المكلف عن الحرام، ويكون عمل المباح تركًا للحرام، وترك الحرام واجب، فالمباح واجب، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالاشتغال بالأكل أو بالصيد يمنع الإنسان ويبعده عن السرقة وشرب الخمر وقذف المحصنات والغيبة والنميمة.

وقال الكعبي أيضًا: إن الأحكام الشرعية تتعلق بالنفع والضرر للأفعال، فإن كانت نافعة، أو كان نفعها أكثر من ضررها فهي مطلوبة الفعل، وإن كانت ضارة، أو كان ضررها أكثر من نفعها، فهي مطلوبة الترك، وإنه لا يوجد فعل يتساوى فيه النفع والضرر في آن واحد، أو يتساوى فيه الوجود والعدم، فالأكل فيه منفعة ومطلوب فعله لتغذية الجسم، والنوم مطلوب لصحة الإنسان، واللهو مطلوب بمقدار ما ينتفع الذهن به (١).

وناقش الجمهور أدلة الكعبي وردوا شبهته بأن ترك الحرام والكف عنه أمر نفسي وإرادي ولا يتحقق بالاشتغال بالمباح، وأن المرء يمارس المباحات دون أن يخطر بباله ترك الحرام (٢).


= الموافقات: ١ ص ٧٣، المدخل إلى مذهب أحمد: ص ٦٤، مختصر ابن الحاجب: ص ٤١.
(١) المراجع السابقة: أصول الفقه، الخضري: ٥٨، أصول الفقه، أبو زهرة: ص ٤٧، البرهان، الجويني: ١ ص ٢٩٤.
(٢) أصول الفقه، الخضري: ص ٥٩، مباحث الحكم: ص ١٠٨، الإباحة: ص ٢٨٩، وما بعدها.
تيسير التحرير: ٢ ص ٢٢٦، مباحث الحكم: ص ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>