للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: المباح بالجزء المطلوب بالكل على جهة الندب، كالتمتع بالأكل والشرب بما فوق الحاجة، فهذه الأشياء مباحة بالجزء، ويخير المكلف بين فعلها وتركها في بعض الأحوال أو الأزمان، لكنها مندوبة بالكل بحيث لو تركها المكلف لكان تركه مكروهًا لمخالفة طلب الشارع لها طلبًا غير جازم، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إذا أوسع اللَّه عليكم فأوسعوا على أنفسكم، إن اللَّه يحب أن يرى نعمته على عبده" (١)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن اللَّه جميل يحب الجمال" (٢)، وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: ٣٢].

ثالثًا: المباح بالجزء المحرم بالكل، كالمباحات التي تقدح المداومة عليها في العدالة، كالتمتع باللذائذ، والمجازفة في الكلام، واعتياد الحلف، وشتم الأولاد، فإنها مباحة في الأصل، ولكن الإكثار منها والاعتياد عليها يصبح حرامًا، ومثله الأكل فوق الشبع مما يؤدي إلى التخمة والمرض.

رابعًا: المباح بالجزء المكروه بالكل، كالتنزه في البساتين وسماع تغريد الحمام واللعب به والغناء المباح، فإنها مباحة بالجزء في أصلها إذا فعلها المكلف مرة أو مرتين في يوم ما، ولكن الاستمرار عليها وقضاء الأوقات فيها وجعلها عادة للمرء يترتب عليها بعض الضرر بمخالفة محاسن العادات، فتصبح مكروهة.

قال الشاطبي: إن المباح بحسب الكلية والجزئية يتجاذبها الأحكام


(١) رواه الترمذي وحسنه والبيهقي وأحمد.
(٢) رواه مسلم والترمذي والإمام أحمد وأبو يعلى.
انظر: بحثًا مستفيضًا وطريفًا مع الأدلة والبراهين والأمثلة في الموافقات للشاطبي ١ ص ١٠٠ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>