للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأفعال، وليس كل الناس في المشاق وتحملها على حد سواء، وإذا كان كذلك فليس للمشقات المعتبرة في التخفيف ضابط مخصوص، ولا حد محدود يَطَّردُ في جميع الناس، ولذلك أقام الشارع في جملة منها المظنة مقام الحكمة، فاعتبر السفر لأنه أقرب مظان المشقة، وترك جملة منها إلى الاجتهاد كالمرض (١).

أما تتبع الرخص عند الأئمة المجتهدين بقصد التشهي والتخفيف والتهرب من التكليف فغير جائز، قال ابن حزم: وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقة الدِّين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة من قول كل عالم مقلدين له، غير طالبين ما أوجبه النص عن اللَّه تعالى وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - (٢).

وأخيرًا فإن الفعل الواحد قد يشتمل على الوصف بالرخصة من جهة وبالعزيمة من جهة أخرى، ويتعلق بفعل المكلف حقان: حق اللَّه وحق العبد، فالتيمم مثلًا رخصة بحق العبد للتيسير عند عدم إمكان استعمال الماء، وهو عزيمة بحق اللَّه تعالى، فلا بد من الإتيان به (٣).

إلى هنا ننتهي من الكلام عن الحكم الشرعي، وعن قسميه التكليفي والوضعي، وننتقل إلى الفصل الثاني، وهو الحاكم.


(١) أصول الفقه، له: ص ٧٥.
(٢) الإحكام، له: ٥ ص ٦٤٥، وانظر: فتح العلي المالك للشيخ عليش ١/ ٧١.
(٣) المدخل إلى مذهب أحمد: ص ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>