للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل على تحقق المستوى العقلي المطلوب للقدرة على فهم الخطاب، وهو البلوغ، إقامةً للسبب الظاهر مقام حكمه (١).

قال ابن عبد الشكور: العقل شرط التكليف، وذلك متفاوت في الشدة والضعف، ولا يناط التكليف بكل قدر من العقول، بل رحمة اللَّه اقتضت أن يناط بقدر مُعْتَدٍّ به فأنيط بالبلوغ عاقلًا، لأنه مظنة كمال العقل، فالتكليف دائر عليه وجودًا وعدمًا، لا على كمال العقل ونقصانه، كالسفر أنيط به الحكم لكونه مظنة المشقة، والمشقة أمر غير مضبوط، فالحكم دائر عليه وجودًا وعدمًا، وجدت المشقة أم لا (٢).

والبلوغ يكون بتحقق العلامات الطبيعية على جسم الشاب والفتاة، كالاحتلام والحيض، لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: ٥٩]، ولقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} [النور: ٥٨]، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل" (٣)، فقد علقت الآيتان والحديث الأحكام على بلوغ الحلم والاحتلام، مما يدل على أن التكليف يرتبط بالاحتلام، وهذا عند الشاب، ويقابله الحيض


(١) الإحكام، الآمدي: ١ ص ١٣٩، تيسير التحرير: ٢ ص ٢٤٨، تسهيل الوصول: ص ٢٩٧، فواتح الرحموت: ١ ص ١٥٤، التوضيح على التنقيح: ٣ ص ١٥٠، أصول الفقه، خلاف: ص ١٥٤، مباحث الحكم: ص ٢٢٧.
(٢) فواتح الرحموت: ١ ص ١٥٤.
(٣) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، قال الشوكاني: في طرقه مقال، لكنه باعتبار كثرة طرقه من قسم الحسن، وباعتبار تلقي الأمة له بالفعل لكونهم بين عامل به ومؤول له صار دليلًا قطعيًّا، ويؤيده حديث: "من اخضر مئزره فاقتلوه" وأحاديث النهي عن قتل الصبيان حتى يبلغوا، إرشاد الفحول: ص ١١، سنن أبي داود: ٢ ص ٢٢٨، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي: ٤ ص ٦٨٥، سنن ابن ماجه: ١ ص ٦٥٨، المستدرك: ٤ ص ٣٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>