للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمام محمد بن الحسن فقه العراقيين (١)، وكان -سابقًا- قد أخذ الحديث والتفسير عن الإمام مالك وعلماء المدينة، فجمع بين علم الحجاز وعلم العراق، وكان فقهه يجمع بين علم أهل الحديث وعلم أهل الرأي، وجمع بين علم العقل وعلم النقل.

وقال ابن حجر رحمه الله: انتهت رياسة الفقه في المدينة إلى مالك بن أنس، فرحل إليه ولازمه وأخذ عنه، وانتهت رئاسة الفقه بالعراق إلى أبي حنيفة فأخذ عن صاحبه محمد بن الحسن حملًا ليس فيه شيء إلا وقد سمعه عليه، فاجتمع علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث، فتصرف في ذلك حتى أصَّل الأصول، وقعّد القواعد، وأذعن له الموافق والمخالف، واشتهر أمره، وعلا ذكره، وارتفع قدره حتى صار منه ما صار (٢).

وأتاحت له هذه الدراسة أن يقف على فقه أهل الرأي ومناهجهم في الاستدلال والاستنباط، كما كان واقفًا على مناهج أهل الحديث وفقههم، ثم اتخذ مذهبًا مغايرًا لهما، بين الجمع والترجيح، وبين الاجتهاد الشخصي، فأصبح نسيج وحده (٣).

٥ - وأخيرًا فقد درس الإمام الشافعي علم الجدل والمناظرة والمنطق،


(١) يقول الشافعي: لقد حملت عن محمد بن الحسن وقر بعير، ليس فيه إلا سماعي منه، ويقول أيضًا: ما أحد في الرأي إلا وهو عيال على أهل العراق، ويقول: الناس عيال على أهل العراق في الفقه، (مناقب الشافعي: ١ ص ١٦٢ وما بعدها)، وقال عبد الملك بن هشام: الشافعي بصير باللغة، يؤخذ عنه، ولسانه لغة، فاكتبوه، وقالوا: إن لغة الشافعي وحدها يحتج بها، وقال الزعفراني: ما رأيت الشافعي لحن قط (تهذيب التهذيب: ٩/ ٢٧).
(٢) الشافعي، أبو زهرة: ص ١٨، وهذا مأخوذ من كلام ابن أبي الجارود المكي (انظر: الرسالة ص ٧).
(٣) محاضرات جاد الرب: ص ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>