للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمر خارج عنه، وهنا اختلف العلماء على دلالة النهي على قولين:

القول الأول: هذا النهي لا يفيد بطلان العمل، ولا فساده، ويبقى صحيحًا في الواقع، وتترتب عليه آثاره المقصودة منه، ولكنه حرام (أي فيه إثم) عند الأكثرين، ومكروه تحريمًا عند الحنفية، لمخالفته توجيه المشرع.

واستدلوا على ذلك بأن النهي لا يرجع إلى المنهي عنه كالصلاة والذبح، ولأن النهي غير لازم للتصرف الشرعي كالصلاة والذبح، فالجلوس في الدار المغصوبة في غير الصلاة ممنوعة، واستخدام السكين المغصوبة حرام في الذبح وغيره، والانشغال عن صلاة الجمعة حرام سواء كان بالبيع أو بغيره، فالنهي لا يرجع إلى المنهي عنه بذاته فلا يؤثر فيه، كما سبق الكلام على النهي عن الوطء في الحيض، ولذلك يصح البيع وقت النداء، وينتج آثاره، وإن أثم فاعله، وهذا قول الجمهور.

القول الثاني: وهو قول الحنابلة والظاهرية، فقالوا: إن النهي هنا يقتضي بطلان المنهي عنه، وعدم ترتيب الآثار عليه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" (١)، ولاستدلال الصحابة رضوان اللَّه عليهم ببطلان التصرفات المنهي عنها مطلقًا، ولو لوصف غير لازم، فابن عمر رضي اللَّه عنهما استدل على فساد نكاح المشركات وبطلانه بقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: ٢٢١]، واستدل الصحابة على فساد عقود الربا بقول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل ... الحديث" (٢)، وفساد نكاح المُحْرِم بالنهي عنه في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَنكح المُحْرِم، ولا يُنكح" (٣)، ولأن نهي الشرع عن تلك الأمور يقتضي عقلًا اشتراط خلوها مما ارتبط بها، وإلا لم تكن مشروعة.


(١) هذا الحديث رواه البخاري معلقًا، ورواه في كتاب "خلق أفعال العباد" ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا.
(٢) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن ومالك والشافعي والبيهقي عن عبادة بن الصامت وأبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنهما مرفوعًا بألفاظ مختلفة.
(٣) هذا الحديث رواه مسلم وأصحاب السنن ومالك وأحمد والدارمي وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>