للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجوز تخصيص العام بنص خاص ورد في القرآن الكريم أو في السنة النبوية، سواء كان النص المخصص متصلًا بالعام أو منفصلًا عنه.

فمن تخصيص العام بنص خاص متصل به قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥]، وجاء عقبه مباشرة قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]، والربا نوع من البيع، فصار النص الأول العام مخصوصًا فيما عدا الربا.

ومن تخصيص العام بنص خاص منفصل ومستقل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]، فالمطلقات لفظ عام يشمل الحوامل وغيرهن، ثم خص منه الحوامل بقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤]، وخص منه المطلقة قبل الدخول بقوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩]، فصار لفظ المطلقات العام مخصصًا بالمدخول بها غير الحامل.

ومن تخصيص العام في القرآن بنص متواتر من السنة، قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ١٨٠]، مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا وصية لوارث" (١).

ومن تخصيص العام في القرآن بنص خبر آحاد من السنة قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣]، مع قوله - صلى الله عليه وسلم - عن البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" (٢)، ويسميه الحنفية نسخًا ضمنيا.

واتفق العلماء على تخصيص عموم النص القرآني بالنص القرآني، وبالسنة المتواترة، وبالعكس، وتخصيص السنة المتواترة بالسنة المتواترة، وخبر الآحاد بخبر الآحاد، ولكن اختلفوا في تخصيص عموم القرآن بخبر الآحاد، فأجازه الجمهور مطلقًا، وفصل الحنفية، فقالوا: إن دلالة العام قطعية، فلا يصح تخصيصها بخبر الآحاد الظني، إلا إذا دخل النصَ القرآني العامَ تخصيص، فتصبح دلالته ظنية، فيجوز تخصيصه عندئذ بخبر الآحاد الظني.


(١) هذا جزء من حديث رواه أصحاب السنن وغيرهم عن عدد من الصحابة.
(٢) هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وصححه، والنسائي ومالك والشافعي وأحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>