اللفظ وهو المعنى الذي سيق الكلام لأجله بقرينة سياقية بعده في قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[النساء: ٣] فدلت على أن هذا المعنى هو المقصود، ودلت ظاهرًا على إباحة النكاح -كما سبق- لأنه ليس مقصودًا من السياق.
ومثاله: قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧]، فهو نص على وجوب طاعة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في قسمة الفيء إعطاءً ومنعًا؛ لأنه هو المقصود من السياق.
حكم النَّص:
إن حكم النص هو حكم الظاهر، وهو وجوب العمل بالمعنى المتبادر منه، المقصود أصالة، ولكنه يحتمل التأويل إن كان خاصًّا، ويحتمل التخصيص إن كان عامًّا، ويحتمل النسخ، ولكن هذه الاحتمالات أقل منها في الظاهر (١).
مثاله: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨] فهو نص في وجوب العدة على المطلقة بثلاثة قروء، ولفظ "المطلقات" عام يشمل المدخول بها، وغير المدخول بها، ثم جاءت الآية الأخرى تخصص هذا العموم، فقال تعالى:{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[الأحزاب: ٤٩]، فصارت الآية الأولى مخصصة بالمدخول بها، ولا تشمل المطلقة غير المدخول بها التي تطبق عليها الآية الثانية.
ومثاله: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}[المائدة: ٣]، فهذا نص في تحريم الميتة والدم، ولكن لفظ "الدم" مطلق، وجاءت آية أخرى فقيدته بالمسفوح، قال تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا}[الأنعام: ١٤٥].
الفرق بين الظاهر والنص:
إن حكم الظاهر وحكم النص واحد، وهو وجوب العمل بهما، وكل من الظاهر والنص واضح الدلالة علي معناه، فلا يتوقف فهم المراد من كل
(١) علم أصول الفقه ص ١٦٤، تفسير النصوص (١/ ١٥٣)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٢١)، أصول الأحكام ص ٢٣٩.