للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيق اللفظ أصالة، أو كان غير مقصود أصالة من سياق الكلام.

فإن صُرف اللفظ عن المعنى الظاهر، وأريد به المعنى المرجوح لدليل أو قرينة، سمي مؤولًا.

وأمثلة الظاهر كثيرة، منها:

أ- صيغة الأمر: فإن مطلق صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب، مؤولة في الندب والإباحة وغيرها، كما سبق في الأمر، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢]، وقوله تعالى في نفس الآية: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢]، فالأمر بالكتابة عند المداينة، والأمر بالإشهاد عند البيع، ظاهر الوجوب، ولكنه مؤول -عند جمهور الفقهاء- للندب، فهو مؤول، للقرينة التي وردت في الآية التالية، فقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: ٢٨٣]، أي: فلا حاجة للكتابة في الدَّين، والإشهاد في البيع.

ب- صيغة النهي: فإن مطلق صيغة النهي ظاهرة في التحريم، مؤولة في الكراهة وغيرها، كما سبق في النهي، كنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في سبعة مواطن: في المزْبلة، والمجْزَرة، والمقْبَرة، وقارعة الطريق، وفي الحمَّام، وفي أعطانِ الإبل، وفوقَ ظهر بيت اللَّه (١)، فالنهي عن الصلاة في هذه المواطن ظاهر في التحريم، ولكنه مؤول للكراهة، لقرائن كثيرة ذكرها الفقهاء.

جـ- دلالة العام: إن حمل مطلق صيغة العام ظاهر في العموم، فإن أريد به الخصوص فهو مؤول، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صيامَ لمنْ لم يُبَيِّت النيّةَ من الليل" (٢).

فلفظة "صيام" زكرة في سياق النفي، وتفيد العموم، فهو ظاهر يشمل كل أفراد الصيام من فرض، ونفل، وقضاء، ومنذور، واتفق الفقهاء على وجوب


(١) هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه.
(٢) هذا الحديث ورد بألفاظ متعددة، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وابن خزيمة وابن حبان وصححاه مرفوعًا، والدارقطني والبيهقي وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>