للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقد، أي ابْتَدِئ زواجَ أربع منهن، أو ابتدئ زواج إحدى الأختين.

وقال الجمهور: هذا تأويل بعيد؛ لأن الفرقة لو وقعت بسبب الدخول بالإسلام لم يخيّرهما، وقد خيّر كلًّا منهما، والمتبادر عن السماع من الإمساك الاستدامة، والسؤال وقع عنها فهو ظاهر من اللفظ، دون التجديد، ولو كان المراد من الحديثين التجديد، لبيّنه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن غيلان وفيروز حديثًا عهد بالإسلام، وليس لهما معرفة بالأحكام الشرعية، ولم يبين لهما النبي - صلى الله عليه وسلم - شروط النكاح مع الحاجة إليه لقرب عهدهما بالإسلام، ولم ينقل عن أحد ممن أسلم على أكثر من أربع أو على أختين أنه جدَّد النكاح، وإن ابتداء النكاح يحتاج إلى رضا الزوجات، ويصير التقدير: فارق الكل، وابتدئ بعد ذلك مَنْ شئت، فيَضيعُ قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "اختر" لأنه قد لا يرضين أو بعضهن، والأمر للوجوب، فكيف يجب عليهما ابتداؤه، وليس بواجب في الأصل؟ وفي الحديث الثاني مانع آخر للتأويل، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيتهما شئت" وفي تقدير نكاحهما على الترتيب تعيين الأولى، وهو يتنافى مع تخييره (١).

ومن التأويل البعيد ما قاله الحنفية في قوله تعالى في كفارة الظهار: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤]، فقالوا: المراد إطعامُ طعامِ ستين مسكينًا، إما لستين مسكينًا، أولمسكين واحد ستين طعامًا؟ لأن المقصود دفع الحاجة، ودفع حاجة ستين كحاجة واحد ستين يومًا.

واعتبر الجمهور ذلك تأويلًا بعيدًا؛ لأنه عدول عن العدد، وهو ستون مسكينًا، وعدول عن لفظ "إطعام" الذي يقتضي توزيع الكفارة لهذا العدد، فالعدد مقصود لفضل الجماعة وبركتهم وتضافرهم على الدعاء للمحسن.

ومن التأويل البعيد ما ذهب إليه بعضهم بوجوب مسح الرجلين في الوضوء لا غسلهما في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦]، واحتجوا بقراءة الجر "وأرجلِكم" عطفًا على "رؤوسِكم" وهي قراءة صحيحة سَبْعية.


(١) شرح الكوكب المنير (٣/ ٤٦٢) وما بعدها، تفسير النصوص (١/ ٣٩١، ٣٩٨)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>